حظيت قضية التحرش الجنسي في الآونة الأخيرة باهتمام العديد من الأوساط الإعلامية والأكاديمية والمجتمعية وعلى كافة مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى أصبحت جزءًا من خطاب الحياة اليومية بين النساء في المجتمع المصري، فقديماً كانت المرأة تخشى أن تتحدث وتصرح بتعرضها لأي شكل من أشكال التحرش فقد كن يعتبرونه في إطار (العيب)، ولكن مع تفاقم المشكلة وزيادتها وتعدد صورها وجدت أن السبيل أمامهن هو التحدث حول هذه المشكلة ومحاولة البحث عن حلول لها إذا أصبحت مشكلة حقيقية تعانى منها النساء في المجتمع المصري بصفة عامة وبشكل يومي سواء في الأماكن العامة كالأسواق والمواصلات العامة والشوارع أو الأماكن الخاصة مثل المؤسسات التعليمية وأماكن العمل والنوادي الرياضية والجامعات المصرية، والتي تحتاج إلى جهود مهن متعددة وأبحاث مختلفة في المجتمع المصري لمواجهة هذه الظاهرة ومن بين هذه المهن مهنة الخدمة الاجتماعية والتي تساهم في التدخل العلاجي والوقائي والانمائى مع هذه الظاهرة. وينظر للتحرش الجنسي على أنه أحد أشكال التمييز بخلاف كونه أحد أخطر المشكلات الاجتماعية الحالية لكلا طرفي عملية التحرش القائم بها والواقعة عليه، وبطبيعة الحال تجد أن النساء هن الغالبية العظمى ممن تقع عليهن التحرش برغم أن الدراسات تشير لوجود فئات أخرى قد يكون ضحيته للتحرش مثل المراهقين والأطفال والأقليات، إلا أن الشائع أن النسوة هن الأكثرية من ضحايا التحرش الجنسي. ومن ثم فالتحرش الجنسي مسلك أو تصرف مجرم أو محرم قانوناً سواء في أماكن العمل أو المؤسسات التعليمية المختلفة، ومع هذا نجد أن التحرش شائع ويتخذ أشكال مختلفة بعضها قد يكون في صورة تحرشات إلكترونية من خلال التقنيات الحديثة..
لذا فتركيزنا بهذا البحث ينصب على العوامل المؤدية إلى ظاهرة التحرش الجنسي ودور الخدمة الاجتماعية في التعامل معها، يعتبر العنف ظاهرة اجتماعية رافقت ظهور الإنسان على الأرض منذ القدم حتى قبل أن ينتظم البشر في تجمعات فرضتها ظروف الحياة، ولعل الأسباب التي أدت إلى ظهور العنف في أشكاله الأولى تبرر للإنسان البدائي لجوءه إليه كشرط لازم لاستمراره في الحياة، فممارسة العنف ضد جميع كائنات الطبيعة وكل من كان يهدد وجوده وحياته بدءا بالحيوانات التي قتلتها إما لتكون طعاماً له، أو ليتجنب أن يكون طعاما لها وانتهاء بأخيه الإنسان.
وأصبحت ظاهرة العنف من الظواهر الاجتماعية المتنامية في التزايد بصورة مستمرة ولم تكن تقتصر على العنف السياسي الموجه نحو النظم السياسية بل أمتد إلى مجالات متعددة وأخذ صورا متباينة منها العنف ضد المرأة والتي حظيت باهتمام محلى وعالمي كبير ومع تنامي وتطور هذه الظاهرة عبر التاريخ فقد حظيت في العصر الحديث باهتمام محلى وعالمي كبيرين، حيث أصبحت هذه الظاهرة تشتمل النساء والأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، وهى ليست مرتبطة بالدين أو العرف أو المستوى الثقافي والاقتصادي بل تنتشر في مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية.
ومع هذا الانتشار الواسع لموجات العنف بمختلف صوره وأشكاله وحظيت المرأة بالنصيب الأكبر من العنف، وذلك إلى الحد الذي يجعل من الصعب إرجاع هذا إلى سبب واحد ولكن هناك العديد من الأسباب المتشابكة والمختلفة التي أدت إلى تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة. ومثلما تعددت هذه الأسباب تعددت كذلك مظاهر وأشكال العنف، ولذلك اوجب الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ضرورة أن يشمل تعريف العنف على الأشكال المختلفة له كالعنف الذي يقع في إطار الأسرة والاغتصاب في إطار العلاقة الزوجية وبتر بعض الأعضاء التناسلية للإناث، يضاف لذلك العنف الجسدي والنفسي الذي يقع في الإطار العام للمجتمع بما في ذلك الاغتصاب والإساءة الجنسية والتحرش الجنسي والترهيب في العمل وفي المؤسسات التعليمية وتتعرض السيدات للتحرش الجنسي كأحد الظواهر التي طرأت على المجتمع العالمي بصفة عامة في مختلف الأماكن، فتجاوز أماكن العمل والدراسة والجامعات ليمتد إلى الشوارع ووسائل المواصلات ووسائل التواصل العصرية كالمحمول وشبكة الإنترنت والمتأمل في تلك الظاهرة الجديدة الخطيرة يجدها ظاهرة عالمية تختلف حدتها وسعة انتشارها في مجتمع إلى آخر وتتباين بالتالي أسبابها ودوافعها من مجتمع لأخر ومن ثقافة إلى أخرى وإذا نظرنا إلى المجتمعات الأوروبية فإنه حسب أخر تقرير لمنظمة العمل أفاد بأن أكثر من 30% من النساء العاملات في النمسا تعرض لتحرشات جنسية العام الماضي، في حين بلغت النسبة في التشيك 35% وفي الدنمارك 15% وفي فرنسا 21% وفي هولندا 58% وفي أسبانيا 27% وفي النرويج 41% والعجيب مثلا أن هذا التقرير كشف أيضاً عن حالات تعرض فيها الرجال بهذا النوع من المضايقات في مقر العمل، ففي بريطانيا مثلا ثبت أن 14% من الذكور تعرضوا لتحرش زميلاتهم في العمل وأن 80% منهم كانوا من فئة الوسيمين جداً وفي عام 1990 لم يسمع أحد بقضية تحرش رفعها رجل ضد امرأة.
أما اليوم فيقدر أن من بين ست قضايا ترفعها النساء في ألمانيا هناك قضية واحدة يرفعها رجل ضد زميلته في العمل والمفارقة غير المفهومة بالنسبة لنا أن كل هذا يحدث في حالة من النفاق والرياء الواضحين في 28% من النساء مثلا يخشن أزواجهن في ألمانيا والدنمارك، وثلث الرجال يخونون زوجاتهم في أمريكا وفرنسا والجميع يسلم بهذا الأمر، ولكن حين تتعلق الخيانة بمشهور من المشاهير تبدأ مقارعات حامية وفلسفات عقيمة حول العفة والأمانة وأخلاقيات الأسرة وجميعنا نتذكر (محاكمة كلينتون بدعوى من لوينسكى).
ولقد قسم التحرش الجنسي إلى ثلاث فئات وهى سلوك معتدل لا يتضمن أي لمس مادي لجسم الضحية وتحرش متوسط يتضمن اللمس ولكن دور إجبار الضحية على ذلك، بسلوك تحرشي جنسي قهري يتضمن التحرش واللمس رغماً عن الضحية وينتج عن التحرش الجنسي أثار سلبية متعددة للمرأة مثل بعض المتغيرات الفسيولوجية سوء الهضم ومتغيرات نفسية وعصبية مثل الإحساس بالخجل والعار الشديد والاعتراض الصامت والانكفاء على الذات بالإضافة إلى القلق والتوتر العصبي) ولا أحد بعيد عن الوقوع ضحية للتحرش الجنسي فهو مسلك كامن ومستقر في أحياناً كثيرة وظاهرة في أحيان أخرى بالمجتمع، ومع أن الإحصاءات تشير لانخفاض ملحوظ في حالات التحرش الجنسي لعام 2006 بنسبة (25%) بالمقارنة بعام 1997 إلا أن ذات الإحصاءات تشير إلى وجود زيادة في التحرش الجنسي بين الرجال بنسبة تزيد على 3.8%. كما أن 99% من حالات التحرش الجنسي التي تم الإبلاغ عنها قد حلت في وقتها كما يتبين أن مشكلة التحرش الجنسي بين النوع تؤكد على وجود اتجاهات ثابتة بعقل الرجل حيال المرأة عموماً.
ومع هذا فالمؤكد وحسبما تشير الدراسات هنا إلى أن تباين السمات والخصائص الديموجرافية مثل اللون والجنس والحالة الاجتماعية والوظيفة أو المهنة لا تشكل أساًساً قوياً لانخراط الرجل في ممارسات تتعلق بالتحرش الجنسي بل ثمة حالات عديدة تعرضت فيها نسوة لتحرشات جنسية من جانب نفس النوع من نساء أخريات ويشير التحرش الجنسي في المؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها وأنواعها من مدارس رياضى الأطفال ونهاية بالجامعة لشيوع مسميات وأشكال مختلفة من التحرش الجنسي يقع من قبل مستويات ثقافية وعلمية وتعليمية عالية.
(وقد يكون التحرش الجنسي باللمس أو السلوك المادي الجسدي أو بالقول أو بالإشارة وقد تقع التحرش الجنسي في مكان العمل أو المؤسسة التعليمية أو حتى بالمنزل. وحول أسباب تزايد هذه الظاهرة فقد جاء في المقدمة سوء الحالة الاقتصادية وانتشار معدلات البطالة بين الشباب، يليها قلة الوعي الديني، في حين ألقي جمهور البحث من الذكور والمصريات اللوم علي المظهر العام لبعض النساء وسلوكهن في الطريق العام، كما أرجع البعض السبب إلي ما تبثه وسائل الإعلام من بعض المواد الإباحية، وسوء التنشئة الأسرية للمتحرش. وأضاف البعض إلي أن ذلك يرجع أيضاً إلى سكوت الضحية وعدم اتخاذها أي رد فعل مما يؤدي إلى تمادي المتحرش في القيام بسلوكه.
حيث أن السياحة أصلاً قائمة على مبدأين هامين وهما الأمن الإنساني والأمن الجنائي فالسائح الذي يأتي إلي مصر يجب أن يشعر أن تجوله في الأماكن السياحية فيها أمان من الناحية الجنائية لا يتعرض إلى أي مضايقات أمنية جنائية تتمثل في كافة صورة الجريمة الجنائية والأمن الإنساني إلا يتعرض إلي إي صور لحياته الشخصية ولا أي صور من صور التحرش الجنسي للان طبيعة السائح الحرية في الانتقال واللبس والحوار فإذا تعرض إلي تحرش جنسي كان سبباً رئيسياً لعزوفه عن الحضور إلى مصر وقد تم رصد أن هذه الظاهرة التحرش الجنسي أدت إلى وقوع خسائر اقتصادية تجاوزت ثلاث مليار جنية مصري تتمثل في الحجوزات التي تم إلغائها من بعد التحذيرات التي تمت في دولة الاتحاد الأوربي لرعاياها إن التحرش الجنسي في مصر قد زاد من بعد الثورة وبخاصة ضد السائحين مما دفع شركات السياحة تتجه إلى دول أخري لا يوجد فيها هذه الظاهرة الخطيرة التي تنمي علي نوع من المرض النفسي الممزوج بالضعف الديني.
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبير في القانون العام
د. عادل عامر
الآثار الاقتصادية للتحرش الجنسي 3615