;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

سيناء وأمن إسرائيل 2812

2012-10-29 00:09:39


إن القدرات العسكرية لمصر في سيناء قادرة على مواجهة تل أبيب وردعها وأن هناك مخاوف في إسرائيل من قدرات الجيش المصري وقدرته على اجتياز المناطق الحدودية، إن هناك أطماعاً صهيونية تجاه سيناء ظهرت منذ زيارة هيرتزل لمصر في 1902 ولقائه الخديوي عباس حلمي ليعرض عليه 600 كيلو بجوارالعريش تدخل فيها جماعات صهيونية تمهيداً لانتقالها لفلسطين مقابل مبالغ مالية وحال دون التنفيذ هذا المشروع الانجليزي باعتباره يحتاج لتحويل جزء من مياه النيل التي تستخدم في إنتاج القطن اللازم لمصانع النسيج في انجلترا، لقد أقيم الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين وجاء اليهود من شتى بقاع الأرض بكل معاناتهم التاريخية، وتحديداً في أوروبا، ففي القارة الأوروبية تعرض اليهود لكافة صنوف التمييز والاضطهاد وعلى أرضها وقعت مأساة الهولوكوست، وقد حملوا كل خبراتهم التاريخية معهم إلى فلسطين فبحثوا عن الأمن المفقود بشتى الطرق واعتقدوا أنه يتحقق من خلال التحصن خلف الجدران وتحويل بلدهم إلى جيتو كبير، لذلك تكرر الحديث عن بناء الأسوار والجدران، في قلب الضفة الغربية على حدودها الشرقية، واكتفت بالبحر المتوسط لحدودها الغربية، ومع قطاع غزة ومصر على حدودها الجنوبية، أما في الشمال فقد سيطرت على مرتفعات الجولان وجعلت منها مانعاً شديداً وحصناً قوياً في مواجهة أي هجوم متوقع من الشمال. أثارت العمليات العسكرية المصرية المتواصلة في سيناء جدلا واسعا في الأوساط المصرية والإسرائيلية، ففي حين ترى القاهرة أن من حقها حماية أمنها القومي في سيناء، تقول إسرائيل إن مصر قد انتهكت اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين. وفي إطار هذه الحملة التي أسفرت حتى الآن عن قتل واعتقال عدد من المسلحين, وهناك بوادر تلوح في الأفق العربي المسلم حالياً تؤشر بفتنة مرتقبة، ويمكن لأي قارئ ملاحظة التالي:
 أولاً: اختلاق سبوبة لتوجيه ضربات من الجيش المصري والشرطة المصرية لمسلمي سيناء بغرض حماية حدود وأمن إسرائيل، ولو أن مسلمي سيناء أبرياء من جريمة قتل ضباط الحدود بعد ما تبين من التحقيقات أن المجرمين الذين قاموا بالجريمة ليسوا من أصول مصرية وليسوا من أهل سيناء أصلاً، وبعد أن قتلتهم القوات الإسرائيلية فلا يمكن التعرف على شخصياتهم غير أن التحليلات تشير إلى أيدي المرتزقة التابعين لدحلان.
ثانياً: شراء مصر لغواصتين حديثتين من ألمانيا، والتدريبات مصرية سعودية بمساعدة البحرية الأمريكية في السواحل الشرقية،
ثالثاً: تصريح رئيس الأركان المصري الفريق/ صدقي صبحي بنجاح التدريبات البحرية المصرية السعودية "مرجان 13" وأن القوات المشتركة قادرة على حماية سواحلهما، وبطبيعة الحال هو يتكلم عن السواحل الشرقية أما في البحر الأحمر – أو في الخليج العربي أو الخليج الفارسي – لأنه بالتأكيد الأسطول السعودي لم يأتي لسواحل المتوسط للتدريب.
والقارئ لهذا الخبر سيصل أن هذه التدريبات هي بغرض إرسال رساله لإيران، ولكنني أرى أن هذه الرسالة خاطئة وفي غير وقتها. لأننا ما نريده من إيران حالياً هو وقف مساندتها للقاتل العلوي في سوريا لا أكثر ولا أقل، ولكننا لا نريد الدخول مع إيران في أية خلافات أخرى بغرض حماية الأمن الإسرائيلي من تطور المفاعل النووي الإيراني، فهذا ليس شأننا ولا شأن السعودية في الوقت الحالي، ولو كان العرب قلقون من بدء النشاط النووي الإيراني فكيف سكتوا على امتلاك إسرائيل لأكبر مفاعلات وترسانة نووية في المنطقة منذ سنين؟
أرى أن توريط أمريكا للعرب بفعل اختلاق معركة بينهم وبين إيران حالياً هو مُضِر بمصالح العرب تماماً وسوف يُدخل المنطقة بأسرها في حرب خاسرة ومكلفة وطويلة المدى لن تأتي بنفع للمسلمين أو العرب بل تصب في مصلحة الصهاينة والغرب فقط، حيث أن هذه الحرب ستصبح حرباً بالوكالة كي لا تتعرض الجيوش الإسرائيلية لأية مخاطر من جهة، وتحافظ أميركا والغرب بدورهما المحايد بين سنة وشيعة المنطقة، وبالتالي يمكنهما بيع السلاح للطرفين، ومثل هذه المعركة المستترة لن تُفسد العلاقات الودية المشتركة بين الشيعة وبين أميركا في أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا ولبنان.
والخطير في هذا الشأن هو أن الغرض الصهيوني من هذه المعركة يتمركز أولاً: في ضرب المفاعل النووي الإيراني – والذي سيحدث بالتأكيد بصواريخ أميركية أو إسرائيلية موجهة ولكن تحت ستار الدفاع العربي – مما سيُعرض الدول العربية لرد فعل نووي من إيران، وثانياً: في استنزاف القدرات القتالية العربية والإيرانية بدون تدخل صهيوني فيها، كي تصبح دول الشرق الأوسط ضعيفة وفقيرة وتصبح المنطقة مرتع للصهاينة فيما بعد. والشاهد من الأحداث السابقة هو أن الجيوش العربية باتت لا تتفاعل إلا للدفاع عن المصالح الأمريكية والصهيونية من جهة أو لضرب الحركة الجهادية السنية من جهة أخرى، وكأننا بلاد وشعوب مسيحية أو يهودية.. ويجب على زعماء هذه الدول أن تنتبه لحقيقة هامة وهي أن الحركة الجهادية السنية هي العائق الأول والأهم لعدم دخول إسرائيل لسيناء أو التوسع الشيعي في المنطقة العربية بأسرها.
ولذا فعلى هذه الدول أن يَكُفوا عن ملاحقة وقتال هذه الجماعات وأن يدعموهم ويفتحوا باباً للتواصل الدائم معهم.استخدم الجيش المصري مروحيات هجومية لأول مرة منذ إبرام معاهدة كامب ديفيد للسلام في العام 1979, كما نشر عشرات المدرعات من بينها دبابات. وتضع معاهدة السلام قيودا على انتشار الجيش المصري بسيناء، خاصة في المنطقة (ج) التي تضم الشريط الحدودي كله، ومدينة الشيخ زويد وطابا وشرم الشيخ ورفح المصرية، ولا يتجاوز عدد الجنود الموجودين بها 750 جندياً، ويرى الجانب المصري أن من حقه -بل من واجبه- بسط الأمن في شبه جزيرة سيناء بعد سنوات طويلة عانت فيها من ضعف الوجود الأمني، الأمر الذي سمح بانتشار العناصر المسلحة هناك، انتهى آخرها بهجوم على نقطة حدودية أوقع 16 قتيلا من قوات حرس الحدود في 5 أغسطس/آب الجاري، وتدعو العديد من القوى السياسية المصرية إلى مراجعة اتفاقية كامب ديفيد وتعديلها بما يحقق السيادة المصرية الكاملة على سيناء، ويشيرون إلى أن أرض سيناء ـ التي بذل في سبيل تحريرها دماء كثيرة ـ لا يعقل أن تبقى رهن اتفاقية مجحفة للحقوق المصرية.
إن من حق مصر أن تستخدم أدواتها العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء، مستعينة في ذلك بالمعدات الثقيلة على الأرض والطائرات الحربية، وطالب الجانب الإسرائيلي بضرورة تفهم المطلب المصري، مشيراً إلى أن مصر وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما قدمت التزاماً كبيراً بمعاهدة السلام أن ميثاق الأمم المتحدة أعطى للدول حق الدفاع عن النفس، كما أن على إسرائيل أن تدرك أن هناك تهديدات كبيرة تهدد أمن مصر، إن إسرائيل خرقت معاهدة السلام أكثر من مرة حين قامت بعمليات عسكرية في المنطقة (د) التي يحظر عليها وضع أسلحة ثقيلة أو عبور طائرات مقاتلة بها، كان آخرها حادث رفح حين تعاملت المروحيات العسكرية الإسرائيلية مع اقتحام حدودها، وتقول إسرائيل إن مصر خالفت اتفاقية السلام المبرمة معها بإدخالها معدات عسكرية ثقيلة إلى شبه جزيرة سيناء. وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعث بواسطة البيت الأبيض الأميركي رسالة "شديدة اللهجة" إلى مصر، وطالبها بسحب الدبابات التي أدخلتها إلى شمال سيناء بصورة فورية.
وطالبت الرسالة الإسرائيلية مصر بوقف إدخال قوات الجيش إلى سيناء من دون تنسيق مسبق مع إسرائيل، بدعوى أن ذلك يشكل "خرقا خطيرا" لاتفاقية السلام بين الدولتين. إنه يتعين على إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل، منها أن معاهدة السلام كانت مجحفة لمصر إلى حد كبير عند توقيعها، وأن القيادة المصرية قد تغيرت، ورغم تعهد الرئيس المصري محمد مرسي أكثر من مرة باحترام اتفاقيات مصر الدولية، فالشيء المؤكد هو أن علاقة القاهرة وتل أبيب لم تعد كما كانت بعد سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي وصفه الإسرائيليون بأنه كنز إستراتيجي. المشكلة الأساسية في امن سيناء تعود إلى بنية التوافقات الأمنية التي أقرتها اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وهي البنية التي تكبل يد مصر ولا تتيح لها بسط سيطرتها وسيادتها على سيناء بالكامل.
ولكي تغير مصر من هذه البنية الأمنية التي تنتهك السيادة المصرية وتحقق تبعاً لذلك أحكاماً للسيطرة على ما يحدث في سيناء فإن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في شكل النظام الأمني والسيادي الذي كان سائداً فيها خلال العقود الثلاثة الماضية، وبحيث يعتمد على أسس جديدة، الأساس الأول هو قلب المنظور الأمني الذي قامت عليه اتفاقية كامب ديفيد في سيناء وهو امن إسرائيل أولاً إلى امن مصر أولاً، فبناء على ذلك المنظور، أي أمن إسرائيل أولا، قيدت الاتفاقية حركة الجيش المصري في سيناء، وقلصت السيطرة الأمنية فيها إلى حد فاضح لا يتجاوز عدة مئات من الجنود وبتجهيزات وأسلحة فردية، بناء على ذلك المنظور أيضاً أحيلت سيناء إلى محض منطقة عازلة buffer zone أكثر من كونها منطقة تابعة فعليا وسياديا لمصر، تبعيتها لمصر تحت التبعية الحقيقية بكثير وفوق التبعية الاسمية بقليل، مع مرور العقود كان من الطبيعي أن تتشكل ديموغرافيا بشرية في سيناء قوامها قبائل ولاؤها الهش لمصر المركزية متواز مع هشاشة السيادة المصرية على سيناء نفسها، وتمردها على السلطة المركزية يغريه ضعف هذه السلطة في سيناء وتواريها. وبسبب غياب القوة والحضور العسكري القوي الذي يفرض السيادة السياسية والأمنية، مضافا إليه فشل إداري وتنموي وسياسي للحقبة المباركة، لم تنشأ تنمية اقتصادية حقيقية في سيناء تستجيب للزيادة السكانية وتفرض حضوراً قوياً للدولة المصرية.
وهكذا وفي ظل غياب الدولة وغياب تنميتها وجيشها لم يكن من الغريب أو غير المتوقع أن تتطور علاقة متمردة عند قبائل سيناء أساسها النقمة على القاهرة وسياستها وسياسييها وإهمالهم لجزء من الوطن، وعلى هامش ذلك ترعرعت جيوب التطرف الذي استفادت منه حركات جهادية وإرهابية تداخل وافدها مع محلييها. جذر ذلك كله، مرة أخرى، هو المنظور الأمني الكلي الذي حرص على إبعاد الجيش المصري والسيادة التامة للدولة عن المنطقة.
كشفت تقارير إخبارية أمريكية أن الولايات المتحدة ومصر تتفاوضان بشأن حزمة مساعدات لمواجهة ما يصفه مسئولو الإدارة الأمريكية بأنه تفاقم للفراغ الأمني في شبه جزيرة سيناء.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الاليكتروني أن الرئيس المصري محمد مرسي والقادة العسكريين تحفظوا الشهر الماضي عندما شدد كل من وزيرة الخارجية هيلا ري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا كل على حده على ضرورة التحرك بصورة أكثر قوة ضد المتطرفين الموجودين في سيناء.
ونقلت الصحيفة عن مسئولين القول إنه بعد الهجوم الذي استهدف نقطة قرب الحدود بين مصر وإسرائيل الأسبوع الماضي وراح ضحيتها 16 جنديا مصريا فإن مصر تغلبت على ما يبدو عما لديها من حساسيات حول سيادتها وعجلت إجراء محادثات حول تفاصيل المساعدات الأمريكية الجديدة التي تتضمن معدات عسكرية وتدريبا شرطيا ومراقبة إلكترونية وجوية. وأوضحت الصحيفة أن المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين يرون الرد المصري على الهجوم اختباراً مهماً لرئاسة مرسي والتزام بلاده بالأمن بعد الإطاحة بالرئيس السابق/ حسني مبارك.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد