يأتي الاحتفال بالعيد الوطني التاسع والأربعين لثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م ونحن نحتفل بالعيد الذهبي الخمسيني لثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ونحن أيضاً في غمرة الاحتفال بكل الأعياد الوطنية التي حققت للشعب اليمني شماله وجنوبه الاهداف والتطلعات التي كان الشعب اليمني يكافح من أجل تحقيقها إلا أننا نحتفل في هذا العام بهذه المناسبات في ظل وجود أصوات شاذة تحاول الانحراف بمسار الثورتين اليمنيتين سبتمبر وأكتوبر وتشويه إنجازاتهما والتقليل من قيمتهما التاريخية ومحاولة الانفراد بثورة الرابع عشر من أكتوبر وتجاهل الاحتفال بالعيد الوطني الذهبي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وقد أجمع كل المؤرخين والكتاب الوطنيين على واحدية الثورة اليمنية إلا أن هؤلاء المتطرفين من الحراك الجنوبي يحاولون في كل مرة التفريق بين الثورتين والاحتفال بثورة 14 أكتوبر وتجاهل الاحتفال بثورة 26 سبتمبر ظناً منهم بأن هذا التجاهل سوف ينسي الأجيال بأن ثورة 26 سبتمبر هي ثورة شمالية لا تخص الجنوب ولم يعملوا أنها الثورة الرائدة وبمجرد قيامها في شمال الوطن عام 1962م انطلق الثوار اليمنيون من كل أنحاء اليمن صوب المناطق الجنوبية المحتلة لمطاردة أوكار الاستعمار وإخراجه من الأرضي اليمنية وكانت كل المدن اليمنية المتاخمة للحدود الجنوبية هي قواعد التمويل والانطلاق والتدريب وما هو إلا عام واحد إلا وانطلقت ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة التي أسفرت في النهاية عن انسحاب الاستعمار البريطاني وإعلان استقلال المناطق الجنوبية في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، ومنذ ذلك التاريخ والقيادة في شمال الوطن تنادي وتدعو بقيام الوحدة اليمنية التي تعد هدفاً من أهدافها وقد حاولت القيادة في شمال الوطن تعيين عدد من الوزراء لشؤون الوحدة والتواصل مع القيادة الجنوبية جنوب الوطن لاستكمال إجراءات الوحدة بين الشطرين إلا أن هناك مجموعة من القيادة الجنوبية من المحسوبين على الماركسية والاشتراكية الدولية جنحوا وولوا قبلتهم نحو الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية ورومانيا والمجر التي شجعتهم ورحبت بهم وأوحت إليهم بضرورة قيام دولة جنوبية اشتراكية ماركسية بدعم سخي من تلك الدول ولذلك تعثرت خطوات الوحدة اليمنية سنوات طويلة بسبب وجود نظامين متباينين متنافرين في الشمال والجنوب.
وقد أدى هذا التباين والتنافر إلى حدوث احتكاكات بين الحدود أدت في النهاية إلى قيام مناوشات وحروب بين الشطرين ولكن القيادة الجنوبية بزعامه الرئيس الراحل الشهيد/ سالم ربيع علي والرئيس الراحل القاضي/ عبدالرحمن الإراياني اتفقا على جملة من المبادئ عن طريق بعض الوسطاء العرب وذهبا إلى طرابلس الغرب عام 1970م وأعلنا الوقف الكامل لإطلاق النار بين الشطرين وعودة القوات المسلحة في الطرفين إلى ثكناتها ومن ثم اتفقا على ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية مبنية على الأسس والمبادئ التالية وذلك في إطار اتفاقية الوحدة اليمنية التي كان من أهم نتائجها قيام دولة يمنية واحدة وعلم واحد وعاصمة واحدة أما الأسس والمبادئ فكانت كما يلي:
1. سحب الحشود وفتح الحدود.
2. انحساب الجانبين من المناطق التي تم الاستيلاء عليها بعد 27 سبتمبر سنة 1972م.
3. عودة جميع النازحين إلى شمال اليمن وجنوبه الراغبين العودة إلى أماكنهم.
4. إيقاف ومنع جميع الأعمال التخريبية والنشاطات السلبية من الجانبين.
5. إغلاق معسكرات التدريب وتصفية الأعمال العدوانية من الجانبين.
6. تسوية المشاكل التي تؤثر على العلاقات بين الطرفين.
7. تعيين ممثلين شخصيين عن رئيسي الدولتين لمتابعة تنفيذ الاتفاق بين الجانبين.
8. يعقد اجتماع لرئيسي الدولتين في 25 نوفمبر عام 1972م.
وبناءً على ما سبق فإن الوحدة اليمنية في عام 1990م قد جاءت بعد مخاضات وإرهاصات واتفاقيات كثيرة واجتماعات متواصلة بين قادة الشمال والجنوب لم تنقطع على مدى 20 عاماً قبل الوحدة وكان من أبرز من نادى بالوحدة اليمنية هو الشهيد المقدم/ إبراهيم محمد الحمدي والرئيس سالم ربيع علي وبعدهما جاء الرئيسان الأسبق علي ناصر محمد والسابق علي عبدالله صالح فأكملا ما تبقى من أسس الوحدة وقد حاول الكثير من الأجنحة في الحزب الاشتراكي عرقلة مسيرة الوحدة اليمنية وتباطأت في إنجاز المهام الموكلة إلى لجان الوحدة المشكلة من الجانبين.
أما الأصوات الشاذة التي أتت وسمعناها وشاهدناها في السنوات الأخيرة عبر وسائل الإعلام المختلفة والتي تنادي بالانفصال وفك الارتباط فهي نفس العناصر والأجنحة المتطرفة التي عرقلت مسيرة الوحدة وعارضت قيامها عام 1990م، لأنها بذلك فقدت مصالحها وهيمنتها على أبناء الشعب الجنوبي المغلوب على أمره والذين أذاقوهم أشد العذاب والقهر والقتل والإبادة.
وأخيراً نؤكد أن احتفالنا بأعياد الثورة اليمنية إنما هو تأكيد على واحدية الثورة اليمنية ومشروعية الوحدة القائمة التي سندافع عنها بكل ما نستطيع عمله وفعله ومهما كانت التضحيات والخسائر.
د. عبدالله الفضلي
أستاذ جامعي
د/ عبدالله الفضلي
الرابع عشر من أكتوبر وواحدية الثورة اليمنية 2118