واتى العيد مرة أخرى؛ ذلك العيد الذي ينتظره جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أتى يحمل الفرحة بيديه ويقدمها قرباناً وهبات لمن تعلقت أرواحهم على قوارع الطريق تنتظر الفرحة من أي باب تطرقه..
للأسف العيد بات لدينا هو المادة فقط فلا عيد دون ملابس جديدة وهدايا وعيدية وأكل (جعالة العيد) وتنزه، متناسين تماماً جوهر العيد الحقيقي وهو العيد الذي ينتظرنا دائماً فنتأخر عليه أو ننساه تائهاً في أول الطريق..
ما أقصده هو العيد الذي تتلقي فيه الأرواح البيضاء فتتعانق وتتسامح وتطوي صفحات لطخها الواقع بالحقد والكراهية السوداء والذي تتوضأ فيه القلوب بمياه التسامح والمحبة فتعود نقية كالثلج فتحمل في طياتها مشاعر جميلة أشبه ما تكون بحقول الأزهار الندية والفائحة الشذى، أفتقد لهذا العيد كثيراً لأنه مازال هناك البعض ممن يأتي إليهم العيد ويرحل ومازالت قلوبهم مكلومة أو حتى مثكولة لأنه هناك أشخاص لا زالوا يحملون تجاههم مشاعر سوداء أو حتى مشوهة وبأسباب مختلفة منها قطع الأرحام أو مشاكل ثأر أو وَرَثَة وغيرها..
هؤلاء يمضي عليهم العيد مطأطئاً رأسه خيبةً من قلوبهم الذي مازالت تتشبث بنقاط سوداء من شأنها أن تنزع للعيد فرحته وتغيّب عنه بريق جوهره.. لذا لا بد من دعوة للتسامح.. للحب كمحاولة دافقة لتحوير الجمود في بعض المشاعر إلى نبع مشاعر جميلة لا يشوبها شيء..
إن أروع ما يميز الإنسان دوناً عن بقية المخلوقات هو أحاسيسه التي يحوّلها البعض من نبع صاف وهبه لا تعوّض إلى صخور فتتجمّد بثلوج القسوة وبقيود الزمن كالحقد والكراهية فالكل يمتلك الإحساس ولكن منهم من يسخره للخير ومنهم من يقتله باللامبالاة...
فجميل أن تزرع البسمة في وجه شاحب أثقلته هموم أدراج الزمن.. والأجمل من ذلك أن تُحسسه بأنك تُشاطره الهموم والأحزان ...وجميل أيضاً أن نرسم لوحة للأمل والنجاح على جدران وأراضي واقع يملؤها حُفر الفشل الذي إن تعثر أحدنا بإحداها لن يجد من يمد يد العون له وإن لم يطلبها.. والأجمل من هذا أن ننزع التشاؤم من قاموس مفردات الحياة محاولين بذلك اختزال مكامن الفشل..
كما أنه بالأمر الجميل أن ندفن أشواك الحقد والكراهية التي تقع على العزائم فتُصيبها بالشلل وتُترجم معانيها وساوس الشيطان وتسعى إليها أقدام الشر..
والأجمل من هذا الأمر هو أن نذيع كلمات الحب للأقرب فالأبعد إيماناً منا بأن الحب وحده سلاح لا يقف بوجهه قذائف المشاعر السوداء..
فهل نحن عاجزون عن إحياء المشاعر النبيلة ونشرها بين الورى سواء في أيام العيد أو دون ذلك أم نحن قادرون فقط على إشعال المشاعر السوداء لتلتهب وتحرق منابع الجمال الروحي الذي وهبه المولى عزوجل للإنسان ليُميزه عن سائر المخلوقات ونعلن الحرب على جمال الروح ذاك الذي يهب للعيد مذاقا لا يتغير بمرور الزمن؟!.
في موكب الأحاسيس تبرز الضمائر التي ماتت وطفت في بحر الحياة فأين الضمير حينما ترى غيرك عارياً بين عواصف الدهر القاسية وأنت تكسوك ملابس الخيرات؟ وأين الضمير حينما تسمع صرخات اليتامى تختنق بجانب أعواد خير يابسة؟؟ وأين ثورة الضمير حينما تجد أرضاً تُغتصب ودماء تسيل وصوت بالحق يُشنق في شتى بقاع الأرض وأنت تقف ناظراً دون ذرة شعور منك بحجم الكارثة التي لا تتمثل في هذه الأوضاع المأساوية وإنما في شلل أحاسيسك واحتضار ضميرك..
أنت عندما تفقد معايير الإحساس وتبيع مكاييل ضميرك فأنت أقرب ما يمكن من منزلة الحيوان الذي لا يعقل ولا يفهم بل ولربما أنه قد يحس ويشعر أفضل بكثير منك..
نحن بأشد الحاجة إلى تدفئة المشاعر النبيلة وبثها وخنق كل المشاعر دونها ودفنها..
نحن بحاجة إلى ثورة الضمير وصحو البصيرة وإزالة الغشاء عن البصر الذي لن يلمح الجمال ولم تسكن به القلوب الألفة والمحبة التي حباها الله فقط لمن أحبه إلا إذا استشعرنا حقيقة كنوز العواطف التي تتأجج وتتوّهج فتحصد ما أثمرت بذورها..
هي دعوة مني للسلام، للمحبة، للوئام، لدفء المشاعر، للمشاركة بالهموم والخواطر والفرح، فالعيد فرحة والفرحة مشاركة أيضاً..
دعوة لإحياء الضمائر وإبعاد ما يمكن إبعاده عن أنفاق اليأس والعثرات، دعوة لكف نزيف الأقلام التي تدعو إلى إشاعة الحقد وكبت الحب، ومازالت تنزف.. أخيراً عيدكم محبة وتسامح..
أحلام المقالح
عيدكم محبة وتسامح .. 1951