قبل حوالي أربع سنوات، كان أحد المقيمين في الصين، يستعد لزيارة اليمن، وطوال فترة استعداده لزيارة بلاده بعد غياب سنين، ظل يؤكد لكل أصدقائه هنا على ضرورة أن يكون أول المستقبلين له في مطار صنعاء "أم مسألة كبريتُ"؛ الديوان الأول للشاعر التهامي/ أحمد سليمان.
كان الرجل يتساءل بإعجاب، عن هذا الشاعر التهامي الذي يتناقل غالبية المقيمين العرب في الصين، مقاطع صوتية ومصورة لقصائده عبر الوسائط الحديثة، ويتهادونها من خلال الموبايلات، لقد حاول توفيق عبد الوهاب أن يقنع صديقه القادم من الصين أن عليه أن يأتي أولاً، وقد يجلس إلى الشاعر التهامي البسيط، ويقابله وجهاً لوجه في أول تواجد له ساعتها بصنعاء.
كنت وصديقي توفيق قد تعرفنا إلى أحمد سليمان من خلال صديقنا الآخر/ علي الذهب؛ إذ كان لقريبه وابن منطقته، الشاعر أحمد سليمان، حضور مشهود في سنوات دراستنا معاً في كلية الإعلام بجامعة صنعاء من العام 2002 – 2006م. كنا كما غالبية الطلبة من كليتنا ومن خارجها أيضاً، نهفو ونترقب موعد الصباحيات الشعرية التي يكون أحمد سليمان ضيفاً رئيسياً فيها، فيما كنا من وقت لآخر، نلتقي في جلسات خاصة وفي مقايل طالما كانت الشاعرية التهامية أهم حصيلتها.
لا أدري هل كنت بحاجة لسرد هذه التفاصيل العادية، لاسترجاع بعض مما علق في الذاكرة الودية الخاصة، كلحظة استقبال توفيق لصديقه في المطار وتسليمه نسخة من كتاب "أمسألة كبريت".. لكن ما كان المدهش بالنسبة للرجل الضيف هو أن مقيلاً ينتظره ويتواجد فيه في ذات الوقت، الشاعر/ أحمد سليمان بخفة ظله الواقعية وبمخزونه الأدبي الحاضر بأسلوبه المؤثر والظريف.
هنا، لست بحاجة لشرح وتعليل البساطة التي بدا عليها شاعر ذائع الصيت، غير أن الأمر مرتبط على ما يبدو، ببساطة الإنسان التهامي الذي يحمل في داخله مخزوناً هائلاً من الدفء والطيبة، فما بال أن يكون هذا الإنسان التهامي شاعراً له إحساس مرهف وأخلاق أدبية سامية ونبيلة.
لقد راودتني فكرة هي أشبه ما تكون بالفكرة الحزينة، وتتمحور بالطبع، حول مرض الشاعر/ أحمد سليمان ومعاناته المتزايدة دونما تدخل من قبل الجهات الرسمية لوقف تدهور حياته باعتباره إنساناً قبل أن يكون شاعراً رفع من رصيد بلده في أسماع الآخرين.
مطلع الأسبوع، زرته حيث يرقد مريضاً، بمكتب صديقه الشاعر/ علوان الجيلاني بصنعاء، وتحمست أكثر لأناشد متألماً وساخطاً، بضرورة إنقاذ حياة هذا الشاعر الذي لايزال البعض في دول الخليج، وبسبب هذا الإبداع والوهج، يشك في أنه من اليمن، بينما أحدهم، وفقاً لإحدى الروايات المتداولة بين أصدقاء، يجزم بعد سماعه لمقطع صوتي من قصائد/ أحمد سليمان، أنه من أبناء محافظة جيزان أو عسير السعوديتين.
بدت صحة الشاعر سليمان منهارة نسبياً، لكنه لايزال متسلحاً بنوع من الأمل وبلطف السماء على ما يبدو، فالرجل الذي كان قد رقد بعد إصابته بجلطه، في أحد المشافي بالحديدة قبل أكثر من شهر، ساعده حسن حظه وحظنا أن الله منّ عليه بالشفاء المؤقت، فخرج ممسكاً بأمل في الحياة جديد، وبتوصيات لأطباء تقول بضرورة أن تتم عملية "قسطرة" لقلبه في أقرب فرصة، وهو مادفعه في الختام، للتوجه إلى صنعاء والبحث عبر رفقة أصدقاء وزملاء، عن من ينقذ حياته داخلها أو خارجها.
العجيب في الأمر، أن أصدقاءه والمهتمين أيضاً، طالبوا حين رقوده في الحديدة، كل المسئولين والجهات المعنية، بضرورة التدخل لإيقاف تدهور حياته، وذلك أسوة بكل المبدعين الذين لقوا رعاية صحية من الدولة بطريقة أو بأخرى، لكن لا يبدو أن مناشداتهم أثمرت، والأغرب أيضاً، أن المناشدات تتواصل منذ أيام، لإكمال مسيرة علاج قلب/ أحمد سليمان، ولا يبدو أن هناك إلتفاتة جادة لأحد المسئولين، ما يدفع للتساؤل هل ثمة اعتبارات غير أخلاقية، تتدخل لحسم مثل هذه القضايا الإنسانية؟ وما يخيفني فعلاً، هو الوصول إلى التسليم بموضوعية الوسواس الذي يفضل إبن إحدى مناطق الحكم حتى قاطع طريق وبلطجي، على "ابن القناوص" مثلاً حتى لو كان شاعراً ذائع الصيت.. غير أن ما بات من اللازم قوله الآن، هو أن الجهات المعنية في بلادنا ليست مضطرة قط، لتعميد خسارة اليمنيين لو احد من ألمع نجوم الأدب الشعبي، وهو لايزال أيضاً، في عز عطائه.
على الجهات المسئولة ـ ممثلة بوزارة الثقافة ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ـ وعلى كل الموسوعين والخيرين أن لا ينظروا إلى معاناة أحمد سليمان تتفاقم بصمت، ذلك أن قلبه لو توقف عن النبض وهو ينتظر إلتفاتتهم جميعاً، كما حدث مع الأديب والإعلامي التهامي أيضاً محمد الجبلي وقبله آخرين، سيكون بمثابة العار على الجميع.
لا أخفيكم أنني أكتب هذه الأحرف المرتبكة وكلي حرقة على حياة الشاعر، لكن هذا واجبي وكل حملة الأقلام إزاء حالته وشبيهاتها، وكم هم أصحابها كثيرون ومعدمون! فقط، كل ما سأقوله للمسئولين لو أنهم تباطأوا أو تلكأوا بسبب أو بآخر، في صرف منحة علاجية عاجلة لأحمد سليمان والتوجيه بعلاجه داخل صنعاء أو خارجها، "عار عليكم".. وكل ما سأقوله للشاعر القدير هو ما قاله ذاته، في قصيدة كتبها مؤخراً حين كان يرقد بالعناية المركزة في الحديدة: "سلامتك واقلبي"..
وسأرفق لكم أصدقائي هذه القصيدة التي حتماً، تحمل دلالات ومعاني كثيرة، وجلها مدعوكة بالألم والمعاناة ومحاولة نكران جميل إحساس قلب أحمد سليمان وشاعريته..
سلااااامتك وااااا قلبي
نار شوقك تغلي وقودها صدق الحب
المحبة تملي و المدامـع تكــتب
سلااااامتك واااا قلبي
الحبايب راحــوا وطوّلوا في الغيبه
عذبوك وارتاحـــوا واستغلـوا الطـيبة
سلااااامتك واااا قلبي
يدروا بأنك ملهوفْ و زيّـدوا آلامــكْ
تنكـروا للمعـروفْ و انتســن ايامكْ
سلااااامتك واااا قلبي
لا زلت في ماضيهم مخلص لهم متفاني
تهييييم في واديهم و هم في وادي ثاني
سلااااامتك واااا قلبي
تحنّ ... تسأل عنهم في حلّناوالترحالْ
و لا لقينا منهــم إلا الجفا والإهمالْ
سلااااامتك واااا قلبي
كم لك بهم مفتونو معذّبو مشتاقو
في عشقهم مجنونو و حرّقوك حرّاقو
سلااااامتك واااا قلب
أيامنا اللي كانت مااسرع كذا نسيوها
المحبة هانت وبابخس ثمن باعوها
سلااااامتك واااا قلبي
كم عاهدوا كم حلفوا بأنهم مش ناسين
و أخلفــوا واختلفــوا و أحنا معاهم وافين
سلااااامتك واااا قلبي
على الوفا جازونا بصدهم والهجران
يعني خلاص باعونا " كأن شيئاً ما كان "
سلااااامتك واااا قلبي
حسبي الله حسبي ظـنّنا فيهم خابْ
كــل ذا يـا قلـبي و تقول عليهم أحبابْ!!
سلااااامتك واااا قلبي
تئنّ منهم مجروحْ و لم تزل تهواهم
والسؤال المطروحْ : أيحين شاتنساهم ؟؟
سلااااامتك واااا قلبي
سلامتك وا قلبي أنا وياك مذبوحين
بحبهم شغلونا وبغيرنا مشغولين
سلااااامتك واااا قلبي
بنك الأمل يا روحي وكل يوم نتسلفْ
به أداوي جروحي وأحلى سطور تتألفْ
سلااااامتك واااا قلبي
يا قُليبي المسكين ذي نهاية صبركْ
اقرأ عليهم " يس" وعظّم الله أجركْ
سلااااامتك واااا قلب
صدام أبوعاصم
قلب أحمد سليمان بحاجة لقسطرة 2304