أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأسٍ طغى من فعلِ طاغيها
موسم حج هذا العام 33هـ؟
قد مضى حين من الدهر طال كثيراًُ والمسلمون ـ بأكثرهم ـ يحجون ولا يدرون لماذا يحجون، إنما هي أشواق إلى بيت الله الحرام، رافقها نيات مختلفة باختلاف وعي وإيمان الحجاج، ففيهم المدرك لأهمية هذا الركن وما يقتضيه، فيتوجه إلى الحج بنية خالصة وعلم وفهم ومال حلال، وكما يشتاق إلى بيت الله الحرام والمشاعر والشعائر، يشتاق للقيا إخوانه الحجاج الذين يأتون من أنحاء الدنيا من كل فج عميق، يؤدون شعائر الحج والعمرة كاملة غير منقوصة ملتزماً في حركاته وسكناته وأدائه السنة لا يحيد عنها، وهذا النوع قليل من الحجاج، وهو الذي يرجع بحج مبرور، يرجع إلى بيته كيوم ولدته أمه، مغفور له ذنوبه، مستورة عيوبه.
وفيهم المؤمن بفريضة الحج وموقعه من الإسلام، لكنه حج حج مقلد إمعة إن أحسن الرفاق أحسن وإن أساءوا أساء، فيخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً في رحلة العمر التي لا يصلح لها وفيها غير الاستقامة الكاملة، والكف عن كل رفث وفسوق وجدال.. هذا النوع من الحجاج أكثر من النوع الأول، وهو جزء كبير من الغثائية التي يشكلها مجموع الحجاج الكبير الذي يكون هذا النوع الثالث الأردأ، والنوع الرابع الأكثر رداءة.
فالنوع الثالث من الحجاج يتكون من مجموعة جاهلة تسمع أن هناك حجاً، ورحلة ومنافع، وسمعة، وعودة بلقب الحاج.. هذا النوع لا يحسن النية، ولا يتفقه قبل حجه، ولا يتحرى الحق ولا الحلال في نفقة الحج فضلاً عن نفقاته الأخرى، فهو يشكل أغلب غثائية الحجاج، وأغلبية الفوضى التي تحدث في المشاعر لأن هذا النوع ليس له قيم يسير عليها غير ما ذكرنا.
أما النوع أو القسم الرابع من الحجاج وهو الأكثر رداءة وبعداً عن الحج فإنه ذلك اللفيف من الذين يأتون إلى الحج بقصد السرقات، أو إيذاء الحجاج، ومن يخدم الحجاج، ويثير الفوضى متعمداً وقد يكون منفذاً لأجندات رسمت له يأخذ عليها أجراً، وقدر رأينا في بعض المواسم وسمعنا ما حدث في مكة المكرمة من مظاهرات وشعارات ليس له أهداف غير إقلاق الحجاج وأهل الحرمين، إذ كان أصحابها يستعملون أدوات قتل ذهب ضحيتها المئات هذا النوع من الحجاج لا يستحق اسم الحاج، وجريمته كبيرة آثمة، وخطر على الحجاج وأمنهم، وسيرهم في مناسكهم.
هكذا أو نحو ذلك كان الحجاج منذ عهد بعيد لا يستثنى منهم إلا النوع الذي ذكرت
البشرى هذا العام
البشرى في موسم هذا العام ـ في تصوري ـ وربما يشاركني هذا التصور كثيرون أن التغييرات التي قد حدثت في بلدان هامة من العالم الإسلامي ستظهر الأثر الإيجابي في هذا الموسم، فكثير ممن شاركوا ومن باركوا أصبح لديهم وازع حب الإخوة في الإيمان والإسلام، وأصبح عندهم طموح التقريب بين المسلمين، أصبح عندهم قدرة على التأثير ولو بسلوكهم على إخوانهم الحجاج، فالحكام اليوم غير حكام الأمس، وحجاج العام غير حجاج الأمس، وأقل ما نستبشر به هو أن عدداً كبيراً من الحجاج سيكون بعيداً عن الإنشغال بتوافه الأمور، وبإيذاء إخوانه، متطلعاً لأن يكون كل الحجاج إيجابيين، على وعي، لكن الطموح الأكبر هو أن يبدأ تفكير الحكام باستغلال الموسم وما بعده اللقاء الأخوي التشاوري، ولا يمنع الحج أن تكون من خلاله مؤتمرات سياسية، اقتصادية، وأن يطرح المشكلات الكبرى على بساط البحث لمناقشتها وحلها في أقدس مكان وزمان "ليشهدوا منافع لهم".
والقضية تحتاج إلى الرواد القادرين، الموثوقين لدى شعوبهم والآخرين فالسعودية ومصر وتركيا قادرون على قيادة العالم الإسلامي بما فيه الأقليات في غيره.
السعودية بما تتمتع به من مكانة وإمكانيات ومصر بما فيها من توجه إسلامي وحرص على جمع كلمة المسلمين واستشعار مسؤوليتها نحو ذلك، وتركيا بما قد قطعته من أشواط في إصلاح نفسها وتسوية علاقاتها مع العالم الإسلامي وجيرانها، وكثير من الدول التي تؤمن بالعلاقات المتكافئة، فلو أن حكام الدول الثلاث شكلوا رؤية موحدة حول الارتقاء بالوافدين للحج وأقنعوا أنفسهم ثم غيرهم من حكام المسلمين أن يحجوا كل عام ولكل موسم أولوياته إضافة إلى تذكيرنا بما كان يفعله عمر الفاروق. ـ رضي الله عنه وأرضاه وغيره من الصحابة الكرام..
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ..... 1820