في هذه الأيام تشتعل بين جوانح أهل الأذواق نيران الأشواق إلى ناحية الكعبة الشريفة، وتخفق القلوب خفقان العلم المنصوب إلى هاتيك البطاح القُرشية ويقلق الأشباح حنين الأرواح إلى تلك المشاهد المكِّية، فيا سعادة من وفَّقه الله لحج بيته الحرام، واجتمع هناك بإخوانه المؤمنين، الذين أتوا من جميع بقاع الأرض ومن كل فجٍّ عميق مهلِّلين مكبرين، خاشعين لله خاضعين، قائلين بصوتٍ يُرقِّق القلوب ويُرضي علاّم الغيوب " لبيَّك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك إنَّ الحمدَ والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبَّيك وسعديك والخيرُ كله في يديك ".. هناك تشعرُ بلذةٍ كبرى حين ترى النَّاس قد أفاضوا إلى بيتٍ كُسِي بالمهابة والإجلال، فعند رؤيته رفعوا أصواتهم بالتكبير لله الكبير المتعال، وطافوا بالبيت العتيق سبعاً واستداروا، وضجَّت منهمُ الأصواتُ بالدعوات كلَّما دارُوا ولاذُوا بمولاهُم من النار واستجاروا، وهو الذي يُجير ولا يُجَار (الشيخ / عبد الرحمن الكمالي وبتصرف". ـــ هنالك في الأماكن الطاهرة الزاهرة، والبقاع المقدَّسة الباهرة عند بيت الله ذي العزَّةِ والجلال، قفْ خاشعاً خاضعاً ذليلاً، وقل قولة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : " ربَّنا تقبَّل منَّا إنَّك أنتَ السميعُ العليم " هنالك تشعرُ بعظمةِ الإسلام وبعزَّة الإيمان، وبالتساوي بين المسلمين فترى الغني والفقير والرئيس والمرؤوس الكلُّ سواء لا فضل لأحدٍ على أحد ولا سلطان لأحدٍ على أحد، كلُّهم على قلبٍ واحد يؤدون العبادة لمولاهُمُ العليِّ الكبير وهم معترفون بشدَّة الافتقار إليه والعجز والتقصير.. قال عليه الصلاة والسلام : (من حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجَعَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمه).
ـــ للتأمل :
لبَّيكَ.. وَحْدَكَ كم أحبُّ مناسكاً
ودَّعـتُ فـيها زَلَّـتي وفسـادي
لبَّيكَ.. وَحْدَكَ لا يفوزُ بقربِكمْ
مـن لا يُحِبُّ حبيبكم ويُعـادي
لبَّيكَ.. إنـي عـاشقٌ لـمـحمَّـدٍ
فمحمَّدٌ شُربي وأحمدُ زادي
الشاعر / الحارث بن الفضل
شهاب الدين المحمدي
خواطر حول الحج 1952