كشفت الأيام عن ما كانت تحمله في طياتها مما لم يتنبأ به الناس ولا يتوقعونه، إذ بالأيام تلد وتأتي بالمفاجآت قال الشاعر:
إن اللياليَ والأيامَ حاملةٌ.. وليس يعلم غيرُ الله ما تلدُ
وقد مرت فترة زمنية جعلت الناس يتباينون في آرائهم ويختلفون في تصوراتهم ووجهات نظرهم، حول مميزات ومساوئ بعض سلطات الحكم في الأنظمة العربية وعلى رأسها (السلطة القضائية) وذلك قبل أن تنطلق شرارة ثورات الربيع العربي. ومع أن الشعوب العربية كانت أكثر إيماناً بأن أنظمتها تتجه نحو التأبيد والتوريث للحكم بل هي أكثر استبداداً ودكتاتورية من دول العالم الغربي و الأوربي إلى درجة أن الديمقراطية قد دُفِنَت في بلاد العرب دون الصلاة عليها بَيْدَ أننا كنا نسمع مقولات أن القضاء المصري قويا مستقلا مميزا عن غيره من القضاء في البلدان العربية والنيابة العامة جزء من القضاء والنائب العام وكيلا عن المجتمع وحامياً له وقاضياً في نفس الوقت ومن تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين. ولا يحق لبشر كائناً من كان أن يطلب توليته القضاء بدليل أن الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري طلب ذلك من الرسول صلى الله وعليه وسلم فرد عليه بالقول (يا أبا ذر انك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)
وقد توالت الأيام وجاء الربيع العربي 2011م بثوراته المباركة، فتساقطت الأنظمة العربية الاستبدادية الفاسدة كما يتساقط عن الشجر أوراقها في أيام الخريف وتبين أن النيابة العامة ونائبها العام في كل قطر عربي ليس سوى آلة قمع وحبَّاس وسجَّان بِيَد الأنظمة القاتلة لشعوبها وسلطاتها التنفيذية. والنائب العام المصري المستشار (عبد المجيد محمود) احد هذه الأدوات القمعية التي كانت تأتمر بأمر الرئيس المخلوع (حسني مبارك) والمعين من قبله وقد نفذ له كل طلباته إبَّان حكمه، حيث أودع السجون معظم قادة المعارضة من سياسيين ومفكرين ورجال الأعمال وناشطين سياسيين من حركة الإخوان المسلمين وغيرهم من قيادات الأحزاب الأخرى كاليساريين والليبراليين وبلغ عدد الذين حُبٍسوا من جماعة الإخوان المسلمين بأمر النائب العام الحالي ومَنْ قبله ما يزيد على أربعين ألف سجين بما فيهم الدكتور (محمد مرسي) ـ رئيس الجمهورية ـ وخيرت الشاطر والدكتور/ عبد المنعم أبو الفتوح ـ أمين عام اتحاد الأطباء العرب ومرشح انتخابات الرئاسة المصرية السابقة والذين تمت محاكمتهم بمحكمة أمن الدولة وبمحاكم عسكرية استثنائية خاصة ناهيك أن النائب العام المذكور هو احد بقايا النظام السابق ومعين من قبل المخلوع مبارك الذي أسقطته ثورة 25يناير وأدخلته قفص الاتهام وحُكِم عليه بالسجن المؤبد.والنائب العام احد رموزه وما زال يعمل لصالحه والدليل على ذلك ما ظهر أخيرا من القصور والإهمال وتعمد إخفاء الحقائق والأدلة من قبل النيابة العامة في واقعة الجمل التي سقط على إثرها عشرات الشهداء ومئات الجرحاء والمصابين في ميدان التحرير بالقاهرة.
وفي الوقت الذي كان فيه أولياء دم الشهداء والجرحاء ينتظرون النطق بحكم محكمة الجنايات بإعدام جميع المتهمين مبارك وأركان نظامه السابق وأيضا تعويض المصابين فوجئ الشعب المصري وأسر الضحايا والعالم اجمع يوم الأربعاء الماضي 10/10/2012م بتبرئة جميع المتهمين وكان ذلك بمثابة الصاعقة والكارثة والطامة الكبرى التي سببتها النيابة العامة وعلى رأسها النائب العام حيث برئتهم المحكمة لعدم كفاية الأدلة التي أخفتها النيابة ولم تقدمها إلى القضاء وكان المفروض على النائب العام أن يعلن استقالته على الفور عقب ارتكاب واقعة الجمل، لكنه ربما قد أصبح فاقد الإحساس ومنزوع الضمير، أو لأنه لم يكن والداً لشهيد ولا أباً لمصاب، الأمر الذي جعل الشعب المصري عقب النطق بالحكم يُقرر النزول إلى ميدان التحرير ثم التوجه إلى نادي القضاة للاحتجاج والتنديد بالحكم والمطالبة بإعادة المحاكمة وطلب عزل النائب العام.وخوفا من الغضب الشعبي الكبير فقد أبدى النائب العام رغبته لوزير العدل وغيره من القضاة بالاستقالة حفاظا على نفسه وتهدئة للوضع وتم عرض ذلك على الرئيس (مرسي) الذي بدوره أصدر قراراً بتعيين النائب العام سفيراً لمصر لدى الفاتيكان وبدلاً من الترحيب منه بذلك القرار أبدى تصريحات جديدة كذّب فيها وجهات نظره وتصريحاته السابقة تضمنت القول بعدم استقالته من منصبه وانه ما زال فيه وتقدم بطلب إلى مجلس القضاء طلب فيه أن يقدمه إلى رئيس الجمهورية يطلب فيه وقف إجراءات تعيينه سفيراً ومن ثم قدم المجلس طلباً مكتوباً موقعاً عليه من جميع أعضائه وطلب من الرئيس أن يستجيب لرغبة المستشار عبد المجيد محمود للاحتفاظ بموقعه، فقرر الرئيس إيقاف القرار احتراماً منه لمجلس القضاء الأعلى وحتى لا يُفهم أنه يتدخل بشؤون القضاء.
وهناك أسئلة تطرح نفسها بقوة وهي: لماذا يتشبث النائب العام بمنصبه وهو أحد أركان النظام السابق والمعين من قبل الرئيس المخلوع؟ الم يكن النائب العام هو من شارك النظام السابق وأسهم معه في قتل شباب الثورة وقيد حريتهم ؟ ألم يكن النائب العام هو من اصدر أوامر قهرية باعتقال وحبس قادة المعارضة سابقا من حركة الإخوان ومن الأحزاب الأخرى إرضاء لمبارك ؟وهل للنائب العام مشعوذون وسحرة يوهمونه بأن الرئيس المخلوع مبارك سيخرج من السجن ويعود مرة ثانية لحكم مصر؟ وهل يظن النائب العام أن ولايته أبديه وعند وفاته سيورثها لأولاده من بعده؟
والأسئلة كثيرة والنظام السابق وَلّى ولن يعود وجاء دور الصباح بنوره الوضاء وشعاعه المشرق ولن يخرج مبارك من السجن إلاّ إلى القبر وهذه نهاية الظلمة والظالمين، والنائب العام قاضٍ والقاضي يكون ورعاً تقياً زاهداً لا يكذب ولا يجوز له شرعاً طلب البقاء في المنصب أو طلب الولاية مرة ثانية، فطلبها خزي في الدنيا ومذلة وفي الآخرة ندامة ونحن نهيب به أن يربأ بنفسه وأن يكون قد وعى الدرس، فيبادر في الأيام القادمة إلى التخلي عن منصبه ويتركه لغيره من الوجوه الشابة الثائرة رجال العدالة وحماة الشعب والوطن.
أحمد محمد نعمان
النَّائِبُ العَام المَصْرِي يَكْشِفُ عَنْ سَوْءَتِه!! 1995