كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية.. زادت الأطروحات والتحليلات.. وكل سياسي و خبير عسكري دلى بدلوه في سبيل التنظير والتوضيح والشرح حول الهيكلة وأهميتها و قواعدها وأسسها...الخ
والحاصل أن فئة كبيرة من أبناء الشعب قد لا تعي كثيراً مما يُطرح حول الهيكلة من منظورها الفلسفسي، بقدر ما تدرك أهمية أن ينتج عن الهيكلة المرتقبة لأجهزة الجيش والأمن تحقيق ما تصبو إليه وتتمناه.. من ضبط الأمن و إعادة الاستقرار.
والسائد في القاموس العسكري والأمني إن ( هيكلة الجيش) تعني التخطيط والتنظيم والتشكيل وفقاً لمبادئ ومصطلحات وأسس عسكرية إستراتجية.. وهنا يمكن التمييز بين ثلاثة مصطلحات للهيكلة:
الأول: إعادة تمركز وتسليح وتنظيم الوحدات في مناطق معينة، وذلك وفقاً للتهديدات المستقبلية وطبيعة المهام.. وهذا الأمر يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، كما يحتاج إلى الاستعانة بخبراء ومتخصصين في مثل هكذا أمور.
الثاني: دمج العناصر أو القوى المتجانسة, وتشكيلها وفق النظام العسكري المألوف، وإعادة التسمية والتموضع أو إعادة الانتشار والتمركز على مسرح العمليات في البلاد. . ويعني بذلك دمج الوحدات النمطية مع بعضها والوحدات النوعية الواردة في النظام (العسكري) مع بعضها, مع مراعاة الوحدات النوعية التي لا يوجد لها مماثل في النظام العسكري الوارد.
الثالث: وهو التدوير الوظيفي. ويقصد به هنا إعادة النظر في الهياكل التنظيمية وما يتصل بها من تعيينات، بحسب التوصيف الوظيفي للوظائف، وما يرتبط بها من تنظيم لعملية التدوير الوظيفي للوظائف القيادية..
و تعتبر الهيكلة من أصعب الأعمال وأدقها حساسية وخطورة، وذلك لما يترتب عليها من خطط وبرامج ونظريات وأسس إدارية وتقنية حديثة ومتطورة، كذلك لما تحتاجه عملية الهيكلة الصحيحة والمنظمة من جهود وطاقات وخبرات وقدرات هائلة وضخمة..
والملاحظ أن الجميع يتطلع إلى أن يعجل الرئيس الانتقالي ( عبد ربه منصور هادي) بهيكلة قوى الجيش والأمن، خصوصاً والعديد من وحدات الجيش منقسمة منذ إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع انضمامه إلى الثورة الشبابية السلمية ومساندته لها، وما صاحب ذلك من مواجهات واشتباكات مع قوات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر للرئيس السابق( علي صالح)..
ومن الطبيعي حدوث عملية الهيكلة، ولكن ما يجب التنبه له هو أن وضع الجيش اليمني يختلف تماماً عن وضع الجيش في دولة أخرى.. حيث نجد أن الجيش قائم على هيئات ومنظمات ومؤسسات وطنية، أما في اليمن فإن الجيش بنّي على أساس ولاءات وصلة وقرابات، و بالتالي فإن أي قرارات غير مدروسة لا شك أنها ستكون غير محمودة العواقب.. لأن هيكلة الجيش اليمني أمر ليس بتلك السهولة التي قد يتخيلها البعض ويفهمها، بل تعتبر معقدة وتحتاج إلى جهد ووقت .. فالطريق أمام الهيكلة محفوفة بالمخاطر والصعوبات والتحديات والمعوقات وبالتالي فإن أي عملية للهيكلة باعتقادي بدون خطوات مدروسة لن تجدي نفعاً، بل على العكس تماماً ستعمق الانقسامات والخلافات، وتؤدي إلى انفلات أمني وصراع مفتوح وستشجع المتربصين بأمن الوطن وباستقراره للنيل منه وذلك من خلال دعم حركات التمرد و التشجيع على العنف والفوضى والاحتجاج والاعتداء على مقار الأمن وأجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة مثلما حدث في الأشهر الماضية من اعتداء مخطط ومنظم له مسبقاً على وزارتي ( الداخلية والدفاع)..
أهمية الجيش في النظام الحاكم
يعتبر الجيش العمود الفقري والدينامو الأساس لأي نظام حكم.. خاصة إذا كان نظام الحكم غير مدني (عسكري ، أو ملكي عائلي).. والحاصل أن هناك أنظمة جمهورية عديدة قامت على أسس بوليسية قمعية .. ومن هذه الأنظمة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي اعتمد على الجيش ( العائلي) في إدارة البلاد من خلال فرض قبضته الحديدية على مراكز القرار ولذلك كان اهتمام صالح وأفراد عائلته بتشكيل ما يشبه الكتائب والفرق الخاصة .. وإخضاع الكثير من المناطق والمواقع الحساسة تحت سيطرة العائلة.. في الوقت الذي تم تهميش الجيش الوطني وتقليصه ( عدة وعتاد).. وبالتالي سخرت الدولة كل الإمكانات خصوصاً المادية لخدمة جيش العائلة الذي استحوذ على نصيب الأسد من ميزانية الدولة وإيراداتها المختلفة، سيما قوات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر لصالح ( احمد)..
لقد كان لقوات صالح تأثير كبير على قرارات الدولة وخاصة القرارات التي توجه السياسة العامة للدولة ، وكان لها دور فعال في فرض السياسة الإدارية والاقتصادية للدولة حيث تدخل ( جيش العائلة) في القرارات المهمة وخصوصاً فيما يتعلق بقرارات التعيين والعزل، حيث يتم تعيين أشخاص بمناصب وزراء وقادة عسكريين ومحافظي محافظات بناءً على صلة القرابة والولاء والقرب الجغرافي والانتماء العرقي..الخ..
فيما تم استبعاد العناصر المناوئة لحكم العائلة أو بمعنى أخر:الشخصيات التي تتمتع برصيد وطني مشهود ..
لقد أعطى جيش العائلة لنفسه صلاحيات أمنية واسعة، الأمر الذي أدى إلى تدخل تلك العناصر حتى في الأمور الإدارية وعلى مستوى المحافظة والمديرية والناحية.
ختاماً.. ينتظر اليمنيون اليوم ( هيكلة الجيش) بفارغ الصبر .. إذ بات هذا الأمر أو المطلب هاجساً يشغل بال الكثير من الثوار والأحرار الذين كان لهم الفضل الأول بعد الله تعالى في تفجير الشرارة الأولى للثورة الشبابية التصحيحية التي انطلقت في الـ11 من فبراير .. حيث لا زالت ترتفع الأصوات التي تنادي بضرورة إعادة هيكلة الجيش بأسرع وقت لما للهيكلة من أهمية بالغة الأثر في إعادة الأمن وترسيخ الهدوء والاستقرار في جميع محافظات الجمهورية.
موسى العيزقي
الهيكلة .. بين المفهوم والتطبيق 1759