ثمة رجالٍ وطنيون مخلصون يتربعون على قلوبنا، ويحتلون مساحاتٍ شاسعة في بهو التاريخ الفسيح، ورغم أن أدوارهم وعطائهم وقدراتهم أكبر من مواقعهم ومناصبهم وألقابهم إلا أن الزمان لم يضق بهم، وتواضعهم أوصلهم لمرتبة النجوم التي تعطي دون مقابل، ويعد (إبراهيم الحمدي) واحداً من هؤلاء الرجال الأفذاذ وبدون منازع.. فهو الوحيد في هذا الوطن الذي لم يختلف عليه اثنان.. ولم يزايد أحد على وطنيته ومواقفه الصادقة تجاه القضايا الوطنية.. إنه شخصية الإجماع الوطني في أي مرحلة من مراحل التاريخ اليمني الحديث.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الرئيس الراحل الشهيد (إبراهيم الحمدي) هو القائد التاريخي، والزعيم الحقيقي في اليمن.. وقبل كل شي هو إنسان يمني أحب شعبه فأحبوه، فترجم ذلك الحب من خلال أقواله وأفعاله.. فكان حلمه الأول والأخير بناء الدولة اليمنية القوية التي تتسع للجميع، وتحتوي الجميع، دون استثناء لأحد.
كان الراحل يحلم بدولة يعتمد فيها مواطنوها على أنفسهم.. بدلاً من أن يكونوا عالةً على الآخرين، ينتظرون المساعدات، ويطلبون المعونات.. فبدأ بتطبيق ذلك على أرض الواقع من خلال تشجيع ودعم الأهالي لإنشاء ما كان يعرف بـ(اتحاد التعاونيات).. والذي كان إنشاءه بمثابة إيذان رسمي ببدء مرحلة العمل والبناء الحقيقي والتشييد والتعمير الفعلي .. وقد آتت تلك الجمعيات ثمارها من خلال إنشاء العديد من المرافق التعليمية، وإنشاء الطرق، وتوفير مياه الشرب النقية، والتشجير والإنارة وغيرها من المنجزات التاريخية الكبيرة التي تحققت في فترة وجيزة من حكم الحمدي التي لم تدم لثلاث سنوات ..حيث كانت البلاد في بداية عقد السبعينات من القرن العشرين تفتقر إلى الكثير من المتطلبات الأساسية للبناء والتنمية ابتداء من البنى التحتية المتمثلة في الطرق والمياه والكهرباء، والخدمات العامة المتمثلة في التعليم والصحة، ووضع الدولة وإمكانياتها خلال تلك الفترة لم تكن مهيأة ولا قادرة على القيام بتنفيذ كل مشاريع البنى التحتية والخدمات على مستوى كل المحافظات..
لقد حظي ( الحمدي) بحب واحترام غالبية أبناء الشعب اليمني.. الذين وجدوا فيه صفات القائد الحقيقي مثل (القدرة والكفاءة والنزاهة( إضافة إلى (التواضع والصدق والبساطة)،وهي صفات قلما نجدها اليوم في عالم الزعامة والقيادة، الأمر الذي مكنه من إحراز ثقة الناس، وصار الجميع ينظر إليه بتفاؤل كبير أثناء معايشتهم له قبل أن تتطاله يد الغدر والخيانة لتنال منه ومن حلمه، ومن مشروعه لتدفن أحلام الشعب وآماله في مقبرة ( الشهداء ) في 11 أكتوبر 1977 بصنعاء.
لقد سعى البعض إلى طمس تاريخ الشهيد الحمدي، وتغييبه عن المشهد نهائياً حتى جاءت الثورة الشبابية السلمية في الـ 11 من فبراير لتعيد الحمدي إلى المشهد بقوة.. حيث رُفعت صوره في العديد من المظاهرات والمسيرات ، إضافة إلى تخصيص إحدى الجمع الثورية باسمه، وإذاعة حلقات تلفزيونية تاريخية عنه وعن فترة حكمه ولأول مرة تبثها قناة ( اليمن) الرسمية.. بعدما عمد رأس النظام السابق على طمس تاريخ الحمدي وإخفاء صوره واسمه من كل ما له صلة بعهده وبمنجزاته..
كما أثبتت الأحداث التاريخية أن عمر الإنسان لا يُقاس بعدد السنوات التي عاشها، أو تلك التي حكم خلالها، بقدر ما يقاس من خلال الأعمال التي قام بها، والمنجزات التي حققها، والبصمات التي تركها خلفه وهو ما ينطبق على ( إبراهيم الحمدي) الذي حكم لـ(3) سنوات، خلّدت اسمه وحفرته في ذاكرة الأجيال وأذهانهم.. تكريماً وتخليداً لما حققه لهذا الوطن من منجزات اجتماعية واقتصادية وغيرها.. بخلاف الرئيس المخلوع ( صالح) الذي حكم اليمن (34) عاماً، ووصف بأجمل الصفات وألمعها .. لا يقل أحدها عن تسميته بـ(فارس العرب).. ومؤخراً (الزعيم).
لقد سعى صالح إلى تخليد اسمه، وتقديم نفسه على أنه القائد الذي لم تلد اليمن مثله، فنال من التقديس والتبجيل والاحترام والتقدير ما لم يستحقه.. في الوقت الذي نال فيه ( الحمدي) لقب ( الزعيم) عن جدارة واقتدار كبيرين، وبإرادة شعبية ورغبة جماهيرية حقيقية، بخلاف ( صالح) الذي أطلق عليه حاشيته وزبانيته هذا اللقب الذي كما أسلفتُ لا يستحقه لا من قريب ولا من بعيد..
أخيراً.. ( إبراهيم محمد الحمدي) رجل نبيل لم يلد التاريخ مثله إلا قليل، لاسيما في مجتمعنا اليمني الأصيل.. رحل عن دنيانا وظل ذكراه دائماً- وسيظل- على ألسنتنا أبداً ما حيينا .. فرحم الله الشهيد الحمدي ورزقنا قائداً وطنياً مخلصاً مثله يعيد لهذا الوطن مجده وازدهاره، وللمواطن أمنه واستقراره والاهم من ذلك كرامته واعتباره اللتين فقدهما من زمان.. وكفى.
موسى العيزقي
الحمدي.. زعيم بقرار شعبي!! 2167