عندما يغيب الوطن يغيب الوعي الوطني ويغيب المعنى الحقيقي للوطنية، عندما يغيب الوطن تحضر القبيلة والعنصرية والمناطقية والمذهبية والجهوية، عندما يغيب الوطن ينتشر الفساد في الدوائر الحكومية وتصبح الرشوة حقاً مشروعاً لمن لا مشروع له إلا إشباع رغباته على حساب الوطن وتقدمه، عندما يغيب الوطن تغيب القيم النبيلة والمبادئ الوطنية السامية، عندما يغيب الوطن يغيب معه النشيد الوطني وتشدو الحناجر بأهازيجها الخاصة وصرخاتها الصوتية وشعاراتها الجوفاء، عندما يغيب الوطن تغيب المسئولية بكل أشكالها فتتدهور الأوضاع وتغيب النظافة وينتشر الخونة، عندما يغيب الوطن يسيء الفرد في تصرفاته دون حساب لسمعة وطنه أو حرص على تحسين صورته، عندما يغيب الوطن يتفشى النهب والسلب ليس في الممتلكات العامة فقط بل حتى في الممتلكات الخاصة, عندما يغيب الوطن تغدو الممتلكات العامة غنيمة عند أول فرصة يمكن أن يغتنمها المتربص، عندما يغيب الوطن يحضر الموت لحظة اقتصاص عبثي لأنانية مفرطة، عندما يغيب الوطن يغيب الضمير الإنساني، عندما يغيب الوطن يبدو المسئول الحاكم وكأنه هو الوطن بل وأقدس من ذلك، عندما يغيب الوطن يغدو الوطن مجرد شعر ربما غير موزون أو عبارات رنانة أو فعاليات ومهرجانات، عندما يغيب الوطن يبيت الملايين على الجوع وينام البعض على الثروات الضخمة، عندما يغيب الوطن يختل التوازن وتغيب العدالة الاجتماعية فيزداد الفقير فقراً والغني غنا، عندما يغيب الوطن لا يكترث المتعجرفون بمعاناة المساكين ولا يسمعون أنين الكادحين، عندما يغيب الوطن يحضر الخداع والمكر وأرذل الأخلاق، عندما يغيب الوطن يغدو المواطن سلماً لبلوغ المجد وتغدو الموارد ثروات هائلة في البنوك العالمية، عندما يغيب الوطن تغيب العدالة وتضيع الحقوق على بوابة الجشع، عندما يغيب الوطن يتوارى المواطن البسيط خلف أردية الذل في الوطن وتخنقه عبرة الألم في الخارج، عندما يغيب الوطن يشرد أبناءه من قبل شيخ ورثهم كقطيع من العبيد، عندما يغيب الوطن يبحث المرء عن وطن يلتجئ إليه، عندما يغيب الوطن لا يجد المغترب من ينتصر لقضاياه ولا من يعيد له كرامته الممتهنة, عندما يغيب الوطن يغيب العلم وتصبح الامتحانات مصدر دخل حقير يمهد لمستقبل أكثر فشلاً, عندما يغيب الوطن تمتد الأيادي الآثمة لتخطف الابتسامة من أفواه الصغار، عندما يغيب الوطن يغتال المستقبل الذي حلم به شهيد ضاق به الحال فانتفض ضد الظلم بسلمية، عندما يغيب الوطن فمن السهل أن تجد العملاء وأن تجد الأفكار الشاذة قبولاً بين الشباب، عندما يغيب الوطن يرى الفرد نفسه وطناً أكبر من حجم الوطن، عندما يغيب الوطن يحضر التخاذل وتتبدل المواقف وتضييع القضايا، عندما يغيب الوطن يغدو ككعكة يتقاسمها الأوغاد على موائد المصالح الضيقة، عندما يغيب الوطن يتوه المرء عن إدراك الحقيقة، عندما يغيب الوطن يبدو الوغد ملاكاً والمخلص خائناً، عندما يغيب الوطن يغيّب الموت المواهب ويخسر الوطن الكوادر, يرحل الطيبون ويبقى الأراذل، عندما يغيب الوطن يباع التاريخ بثمن بخس وتغدو الآثار تجارة رابحة لتاجر وغد, عندما يغيب الوطن نغيب عن العالم ونبدو كعالة عليه، عندما يغيب الوطن نظهر في وسائل الإعلام الدولية كمتخلفين تأسرهم الثقافات البائدة،نتصدر أخبار الفقر والإرهاب والفساد المالي والإداري.
إننا إذاً نحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم الوطنية لدينا حتى نعيد الاعتبار لهذا الوطن الجميل، إننا جميعاً مسئولون عن ذلك ونستطيع فعل الكثير لو أدرك كل منا دوره الوطني وعمل على تحقيقه من موقعه الذي هو فيه كمسئول أو موظف أو كمواطن عادي سواء في الداخل أو حتى المغترب في الخارج فمجموع تصرفاتنا الفردية هي الصورة الجمعية للوطن الذي ننتمي إليه.
تغريدة:
الوطنية ليست مجرد كلمات أو شعارات، بل هي استحضار عظمة الوطن عند ممارسة مهامنا اليومية في كافة مناحي الحياة، الوطنية أن يسكنك الوطن قبل أن تسكنه.
توفيق الخليدي
هيا بنا نعيد رسم لوحة الوطن 2639