يمن الجزم أن الأزمة المالية العالمية كان من نتائجها العديدة أنه تم تسليط الضوء على سلسلة من الفضائح والعلاقة بين عدد من أكبر البنوك الدولية وعصابات المهربين وتجار المخدرات والسلاح. ولم تمتنع البنوك الأميركية عن جني أرباح من تبييض أموال كارتيلات المخدرات في أميركا اللاتينية، في وقت عززت أزمة الديون الأوروبية قبضة الدائنين بفوائد مرتفعة وباهظة ـ وهم يعرفون بأسماك قرش قطاع المال ـ والمضاربين الذين يسيطرون على الاقتصادر الأسود في دول مثل أسبانيا واليونان.
تواصل فصول الأزمة التي ضربت القطاع المصرفي شرع الأبواب أمام مجموعات الجريمة المنظمة وساهم في مراكمتها الثروات فتعاظمت قوتها ووسعت نفوذها، وفي 2009م اتضح أن حجم أموال المخدرات هي المصدر اليتيم لرؤوس الأموال السائلة التي كانت في متناول البنوك في ذروة الأزمة.
الأمم المتحدة قدرت حجم الأموال المبيضة في العالم بـ [1.6] تريليون دولار في عام 2009م منها [580] مليون دولار من بنات تجارة المخدرات والجرائم المنظمة وهناك بنوك في أميركا تستقطب مبالغ سوداء كبيرة وتبيض الأموال على ثلاث مراحل:
أولاها: إيداع الأموال غير المشروعة في بنوك إثر تهريبها إلى خارج الولايات المتحدة ثم إلى داخلها.
والمرحلة الثانية هي عملية الطلاء أي فصل الأرباح الجرمية عن مصادرها.
والثالثة هي مرحلة الدمج استعمال تحويلات مالية تبدو في الظاهر مشروعة لطمس مصادرها والتستر عليها. وفي نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن العشرين بدأت الجريمة المنظمة تشق طريقها إلى النظام المصرفي بعد أن اقتصرت معاملاتها طوال عقود على الدفع نقداً، ففرضت السلطات الأوروبية والأميركية إجراءات لكبح حركة تبييض الأموال الدولية ولجمها، فاضطرت عصابات الجريمة المنظمة للعودة إلى العمليات النقدية..
اليوم صارت المافيات المحلية منظمات دولية فهي تنقل أعمالها إلى غير دول المنشأ وتتوسل لفئات أجنبية وتبرم أحلافاً عابرة للبحار والمحيطات وتدمج أعمالها وتستثمر في الأسواق شأن الشركات المتعددة الجنسية.
صندوق النقد الدولي عبر عن عجزه في موضع تقدير الحجم الحقيقي لعوائد الجريمة في العالم بسبب تعدد الجرائم الأصلية مثل جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات وجرائم الأسواق المالية والسرقة وكذلك الفساد والغش وكلها جرائم تعد كبيرة وقد حاول صندوق النقد سابقاً تقدير حجم تلك العائدات ولكنه توصل إلى أن تحديد تلك العائدات شبه مستحيل، وقيل في السابق بأنها تمثل بين 4و5% من الناتج الإجمالي العالمي، ولكن هناك شبه استحالة في تحديد رقم حقيقي لعوائد الجريمة. والأشخاص الذين يقومون بغسل الأموال وتمويل الإرهاب عادة يعرفون الضوابط التي تضعها المؤسسات الدولية ليتمكنوا من الإفلات منها كما يلجأون إلى المحامين والمحاسبين.
في تقديرات لصندوق النقد الدولي في عام1996م أشارت إلى أن 2إلى5% من اقتصادات العالم مرتبطة بغسل الأموال، وأنه من المستحيل الوصول إلى تقديرات حقيقية لحجم غسل الأموال. والحجم الذي يقدر بنحو [1.5] تريلون دولار سنوياً هو لاستهلال وسائل الإعلام فقط، خبير اقتصادي يقول إن من الممكن الإتيان بأرقام أكثر دقة، وتقدر حجم غسيل الأموال بنحو [2.85] تريليون دولار سنوياً تتركز في أوروبا وأميركا الشمالية، مستعيناً في ذلك بنموذج بسيط للجريمة الاقتصادية مبنية على قاعدة بيانات عالمية.
هامش:
1. الحياة العدد [18051] 5/9/2012م
2. الحياة العدد [18056] 10/9/2012م
3. الاتحاد الاقتصادي 26/6/2011م
د.علي الفقيه
مافيا تبييض الأموال عالمياً 2019