لم يشهد اليمن مؤازرة دولية في وحدته وثورته ومستقبله كما هو اليوم حاصل سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي باستثناء دولة نشاز تستهدف الحياة وتريد محقها لأطماع تخصها وهي إيران التي تشتغل على عرقلة مسيرة التقدم وتبحث عن تشظي الوطن على أساس طائفي بات واضحاً لا لبس فيه ولا يمكنه أن يحقق شيئا من مآربه الصغيرة مهما كانت الأذرع التي تساعده على ذلك من الداخل .وإذا فاليمن من حسن طالعها في خضم المفارقات واحتدام الأحداث وتصاعدها حد الانفجار كانت وما تزال تحتل الأهمية الكبرى لدى المجتمع الدولي بما تعنيه من مصالح استراتيجية يحددها الموقع الجغرافي لليمن كونه البوابة الجنوبية للجزيرة والخليج بما تمثله من مورد نفطي ومخزون استراتيجي للطاقة من جهة وكونه يشرف على أهم الممرات المائية ويقع في قلب الخارطة العالمية من حيث هو الشريان الحيوي للتجارة العالمية وناقلات النفط .من هنا يكون للأمن والاستقرار أهميتهما ليس لليمنيين فقط وإنما بالنسبة للعالم قاطبة وهو ما تدركه الدول الإورو أمريكية وتعيره اهتماما خاصا في المقابل وفق أجندة الصراع الدولة الفارسية, حيث ترى الفوضى مرتعا خصبا للنيل من مصالح الغرب .ولاشك أن محاولات التدخل السافرة وضخ أموال العمالة للبيض ومن لف لفه يقع تحت هذا التنافس الغير بريء من طهران والذي يستهدف ما بعد الخارطة اليمنية ظنا من طهران أن ذلك يلجم خصمها الأورو أمريكي.
وهنا نفهم بدقة تصاعد الحملة على الغرب وأمريكا والدعاء لها بالويل والثبور وعظائم الأمور والموت حتف أنفها وهي شعارات لا تبلغ مستوى المعادي الصاخب لأمريكا قدر بحثها عن تقسيم وطن بين موالاة وممانعة وهي سياسة حزب الله في لبنان التي شرخت جدار وطن على مستوى لبنان ومزقت تحالف أمة وهدف استطاع إنجازه حزب الله ويراد له أن ينتقل الى اليمن ولكن بطريقة شعاراتية تمنح بموجبها صكوك الوطنية من عدمها وفق تقارب وتباعد المستهدف من طهران, فكل من يرى التدخل الإيراني في اليمن بلغ مستوى غير مسبوق ويعمل على إدانته هو إذا موالي لأمريكا للنصارى لليهود ...الخ وبالتالي فإنه ينطبق عليه ذات الموت باعتباره حليفاً للنصارى ...هنا نفهم المعنى لشعار الموت لأمريكا وهو يجعل الوطن فسطاطين مع وضد وبما يسمح للفوضى والتدخل الخارجي غربي أو فارسي على حد سواء .ولو أن العالم كان متراخيا في مسألة الوحدة الوطنية وتجاهل مخطط فارس واتباعها لكانت البلاد اليوم على مفترق طرق خطير ،أوارها حرب أهلية لا تبقي ولا تذر .
غير أن الحرص الدولي الهادف إلى استقرار اليمن وسلامة وحدته وأراضيه هو الذي يدفع باتجاه تعميق الدولة المدنية الحديثة وينحاز لمطالب القوى النضالية في ساحات التغيير ويفشل مخطط فارس في البحث عن موضع يد لتهديد طرق الملاحة وخلق فوضى في اليمن ومن ثم الانتقال إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج .ولابد والحال كذلك أن يستوعب الحراكيون هذا الفضاء العالمي الذي لن يسمح (لعلي سالم البيض )أو غيره بتحقيق فك الارتباط مطلقا مهما كان حضوره في الجنوب وذلك لسبب مهم ومهم جدا وهو أن البيض صناعة طهرانية بامتياز يعبر في نهاية المطاف عن أطماع فارسية ونجاحه في فك الارتباط يعني أمر واحد إقامة دولة (جنوب عربي )لا هوية لها من خلال مسماها تشكل منطلقاً لطهران في الهيمنة على دول المنطقة والحليف الأقوى الذي لا يعادله حتى حزب الله في جنوب لبنان .ومعنى هذا إقامة دولة (جنوب عربي )تعادي السعودية ودول الخليج وترتهن إلى طهران كتعهد للبيض أنجزه مقابل دعم هذا المسمى (فك إرتباط) .وهكذا نجد أننا أمام مفارقات خطيرة لا تريد اليمن ولا الجنوب مستقرا, فكما كان حاله حليف الإتحاد السوفيتي في مواجهة الإمبريالية على مستوى الجزيرة والخليج وبقي في حالة ارتهان جغراسياسي زمنا غير قصير بذات الوجوه وبذات الأدوار هو اليوم ومن خلال (البيض) ومن سار في فلك فك الارتباط يستهدف إيقاع الجنوب في الارتهان بطريقة أخرى .والحال أن هذا التهيؤ للعمالة والارتزاق لم يكن وليد الراهن قدر ما هو تعبير عن ذات أدمنت هذا الانسياق للخارج أكان الإتحاد السوفيتي في الأمس أو طهران اليوم .
ويدرك جيدا أصحاب( فك الارتباط )أن إقامة دولة بلا هوية وعنوانها (الجنوب العربي)كحدود جغرافية لن يكون لها النجاح ولا بنسبة 1%، لكونها تنبثق من أطماع (طهران) في المنطقة وهو ما لن يقبل به المجتمع الدولي مطلقا .ولعل هذا يفسر بدقة معنى قول الأخ رئيس الجمهورية (عبد ربه منصور هادي )في زيارته الأخيرة لأوروبا:أن سعي إيران للسيطرة على (باب المندب )أكثر خطراً من القنبلة النووية .هكذا بحسه الثاقب وتشوفه إلى البعيد وارتسام المخطط أمام ذهنيته التحليلية وتميزه باستيعاب القادم وتحولاته في ضوء الأطماع الفارسية في اليمن .حدد مكمن الخطر وما هو أشد من مخاوف الغرب في امتلاك طهران للقنبلة النووية . فالاستيلاء على( باب المندب )ومحاولة من هذا القبيل لن تتم بعسكرتارية فارسية ،ولكن عبر عملاء طهران وتداعياتهم في البحث عن فك ارتباط أو السيطرة على موانيء تمتد إلى الممر المائي باب المندب .والغرب وفق هذا البعد الخطير، يفهم المعنى الخفي لسياسة الاحتواء التي تنتهجها إيران من خلال أدواتها في المنطقة ،ويرى أن هذا التصاعد الغير عادي على أكثر من جبهة، وافتعال ما يؤدي الى تجزئة الأقطار باسم (ممانعة وموالاة )هو في نهاية المطاف تعبير عن حضور إيران كدولة تهيمن وقادرة على التفاوض وعلى نهب موارد شعوب الجزيرة والخليج كما هو الحال في الأحواز العربية وجعلها ترتهن لقوى إقليمية أولا ومن ثم خنق المصالح الأورو أمريكية .وهو أمر يبدو في نهاية المطاف بعيد المنال جدا ويفهمه الغرب جيدا ولا يمكن أن يهادنه وسيضربه في الصميم باستدعاء أحداث ومواقف وحصار اقتصادي حتى تنهك طهران كقوة اقتصادية أولا ثم الانقضاض عليها كما هو حال العراق خطوة النفس الطويل والحصار الاقتصادي .وإزاء هذه الجغرافيا المكشوفة الأبعاد يبقى الحراك الخاص ب (فك الارتباط )لا يعدو عن كونه حماقة لاتصل إلى أبعد من فوضى على مستوى الجنوب ربما تؤخر التنمية هناك وتحدث خللا في النسيج الاجتماعي ويضطرب الجنوب والشمال معا ويحقق جزءا من طموح فارس ولكن في المحصلة الفشل الذريع هو المآل بحكم أن المجتمع الدولي على تقاطع مع طهران ومع من يراهن على الارتزاق من هناك ويرى إلى اليمن بموقعها الإستراتيجي ذات أهمية قصوى بالنسبة له لابد أن يسودها الأمن والاستقرار وهذا ما أكده بقوة ووضوح فخامة رئيس الجمهورية (عبد ربه منصورهادي) حينما أشار الى أن اليمن تحظى باهتمام العالم في وحدتها وأمنها واستقرارها وهذا من حسن طالعها في هذا الظرف البالغ الحساسية والتعقيد ،وذلك من كونها ذات ميزة جغرافية, فهي ممر للتجارة العالمية قاطبة وتهم مصالح الغرب والشرق على حد سواء .فهل يفهم من يذهبون وراء السراب في (فك الارتباط) معنى التدخل الفارسي وإلى أين يؤدي ؟..
السؤال ملقي على من يفقهون قولا ويحسنون قراءة الواقع بأبعاده الداخلية والخارجية ويطمحون إلى (فك الارتباط) مع العمالة وتوابعها ويجيدون فن الحوار ورفع سقف المطالب إلى أبعد من (فدرالية)حتى إلى( انفصال) ولكن برؤية جنوبية تماما لا تقبل الزيف والنفاق والارتزاق وتنطلق من ممكنات قابلة للتحقق .ومن رؤية عميقة لمعنى الوحدة والانفصال ومن حرص على تجاوز عثرات زمن ومتاهات من أكل الدهر منهم وشرب وصاروا في أرذل العمر يعيشون بؤس العمالة وعمق الخيانة ولم يكونوا ذات يوم في مستوى الآمال بما قدموه من حماقات وحسابات أثروا من خلالها على حساب شعب وتاجروا بمصالح وطن ..!
محمد اللوزي
عسكرتارية فارسية..وحراك مسلح 2214