إذا كانت الحرية بمفهومها الشامل تعتبر من ضرورات الحياة عند الإنسان بصفته فرداً داخل مجتمع متحرك غير ساكن وميت، فإن حرية التعبير وإبداء الرأي هي الأساس القوي لحصول الحرية بتجلياتها العامة والخاصة، بمعنى أن ضرورة حرية التعبير داخل المجتمع من ضرورة البقاء والاستمرارية، ولذلك فحماية حرية التعبير تتجلى في عدم إبداء الصمت والبحث عن منطقة يدفن فيها المرء نفسه حياً.
حيث تعد الحرية بمفهومها الشامل ضرورة من ضرورات الحياة وتتجلى حرية التعبير وإبداء الرأي فيها بأنها الواجهة الرئيسية للحرية الشاملة، وحرية التعبير هي حق ملازم للإنسان لطالما يعيش على سطح الحياة ولطالما يعتبر موجودا في عالم زائل.
فللفرد كامل الحرية في إبداء رأيه والتعبير عن مواقفه وقناعته الفكرية والسياسية والدينية ضمن حدود متفق عليها لا يتجاوز فيها ولا يطعن بالآخرين، لم تعد الحريات كما كانت في السابق مقيدة، حيث وسائل الاتصالات المتعددة الحديثة وسلاستها بين الدول جعل الفرد قادراً على أن يوصل أفكاره وقناعته إلى مختلف دول العالم في زمن قصير، لذا فإن التقييد وتكتيم الأفواه أصبح شيئاً من الماضي.
ولابد من القول، انه ليس دائماً يكون الرأي أو القناعة صحيحة يتفق عليها الجميع، فلربما هذا الرأي أو هذه القناعة قد تشكلت عبر مرحلة خاصة وفي ظروف خاصة، ويحمل هذا الرأي وعياً خاصاً وثقافة خاصة، يواجه هذا الرأي وهذا الوعي الخاص، وعياً آخر وهو وعي المجتمع بكل فئاته، ولذا فإن نوعاً من الصراع يحدث بين الفرد ومجتمعه.
وقد عمل البعض على إطلاق الحرية وإلغاء جميع الضوابط أو الشروط الموضوعية من خلال التأكيد على الحق في التعبير عن المواقف والرأي، ولو أدى هذا الحق إلى استفزاز الآخرين وإهانتهم وإهانة رموزهم السياسية والدينية، هذا المبدأ أو الحق يرونه ضمن إطار فكري غير مبني على احترام قيم وثقافات الآخرين.
ومن هنا، فإن حرية التعبير لا تعني مبدأ الاختلاف بين الأفراد وتكريس النظرة الضيقة وفرض الرأي بالقوة والتسليط والسيطرة، فما يحدث في العالم الآن هو نتيجة التفكير الأحادي الجانب وسيطرته على وسائل التعبير، وأما عندنا في يمننا وعلى الرغم مما تمر به بلدنا من تحديات فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة بقوة القانون والدستور.. لذا فإن على كل مواطن شريف استغلال هذه النعمة بشكل سليم ويعمل على الاستفادة من هذه التجربة وتجارب دول أخرى في إبداء الرأي والتعبير والنظر إلى المصالح العليا للوطن والعمل الجاد نحو الاستقرار والتنمية .
إن حق الفرد داخل المجتمع في إبداء الرأي والتعبير عن مواقفه وقناعاته الفكرية والسياسية والدينية هو حق عيني مادي محسوس وليس حقاً غائباً متجاوزاً، ذلك أن علاقة الفرد بالمجتمع علاقة مباشرة محسوسة تفرض فيه المساهمة بالرأي والنصيحة لكل الأفراد الآخرين حاكمين ومحكومين، وهذا ما يعكس تلك النظرة الإيجابية لهذا الفرد داخل مجتمعه.
رائد محمد سيف
حرية الرأي والتعبير 1896