لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف مجتمعاً ما على أنه مجتمع فاسد وآخر على أنه صالح أو نزيه بعيداً عن الظروف والأسباب التي أدت بهذا المجتمع أن يوصف بهذا الوصف، فكثرة الحروب والجهل والفقر والاستبداد هي عوامل تتضافر بمجملها لتشكل ثقافة عامة لدى المجتمع تجعل منه أن ينظر إلى ظاهرة الفساد داخل مؤسسات الدولة على أنها حالة طبيعية لا يمكن أن تؤثر على مكانة الفرد (الفاسد) داخل الأسرة أو المجتمع، لا بل قد يرى البعض أن السلوك الفاسد يضفي مكانة أكبر لمن جاء به، وإن ممارسته لهذا السلوك هو جزء من حقه الطبيعي!!.
فعلى سبيل المثال؛ المرتشي والمتجاوز على المال العام، في نظر البعض هو الشخص (الذكي والفطن) الذي يستطيع أن يخترق القانون ويتجاوز على حقوق الآخرين ويبتزهم بطرق غير مشروعة في سبيل الحصول على كسب غير مشروع من دون أن يترتب على فعله أثر -عقابي- قانوني (كما يتصور هؤلاء)، بينما نجد في مجتمعات أخرى عكس ذلك تماماً، فالمتهرب عن دفع الضرائب أو من يتجاوز على القانون أو يستبيح المال العام نجده منبوذ بينهم ولا يحظى بالاحترام والثقة داخل أسرته ووسطه الاجتماعي. والفساد كعلاقة وسلوك اجتماعي، يسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي، فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة، لهذا يصنف المختصون في قضايا الفساد أنواعه إلى واسع وضيق، فالفساد الواسع ينمو من خلال الحصول على تسهيلات خدمية تتوزع على شكل معلومات، تراخيص، أما الفساد الضيق، فهو قبض الرشوة مقابل خدمة اعتيادية بسيطة، أي عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز (رشوة) لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة مثلاً.
كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً.إن هناك قوانين في مصر تخلق الفساد وتعمل على الشعور بالظلم لدى المواطنين، منها الأجور، فلا يوجد نظام موحد للأجور، فهناك فروق شاسع في الأجور طبقاً لمكان التوظيف بالدولة، ولا تتعلق الوظيفة بعائدها، ولا بكفاءة الموظف، ولا بحوافز عمله، فحتى الحوافز التي تعطى للموظفين لا يوجد نظام سليم لها، فهي كأنها جزء من المرتب، ولا ترتبط بحافز جودة، أو ترتبط بالقدرات الإنتاجية أو الإبداعية، فلابد من تغيير نظام الأجور في مصر ليكون موحداً، وعادلاً، مع بعض المرونة لأصحاب القدرات والإبداع مثل كل دول العالم، وان يكون هناك تقييم للموظفين، ولا يتم الترقيات وفقاً للأقدمية، وإنما وفقا للقدرات الإنتاجية وما يتم تحقيقه وبذلك ينعكس على رغبة الموظف في زيادة عمله، وجودته، فالنظام الحالي للأجور هو الدافع الرئيسي لقيام مظاهرات واعتصامات فئوية، ويجب عدم التعامل بالقطعة في معالجة تلك المطالب الفئوية، بل يحتاج الأمر لإنشاء نظام جديد موحد يشعر كل الموظفين بالدولة أن حقوقهم تأتى إليهم دون مطالبات، وان الدولة تسعى لذلك، وفقا لبرنامج واضح تعلنه إعلامياً.
الرشوة والمحسوبية، أمراض مجتمعية صنعتها عوامل كثيرة ، فسبب الرشوة انخفاض الدخول وعدم كفاية الدخول، والشعور بالظلم، وبالفارق في الدخول، وعدم الرقابة، وعدم الدقة في مسؤوليات العاملين بالدولة، وعدم قناعة الموظف بأهمية عمله ودوره المجتمعي، بالإضافة إلى الضغوط اليومية على الموظفين، وبطالة الأبناء، والحاجة إلى ما يكفى لتغطية النفقات الطارئة مثل الزواج وتوفير السكن، وغيره، ذلك بالنسبة للطبقات الفقيرة، أما المحسوبية فقد ظهرت نتائجها بعد الثورة في تولى أشخاص مناصب في المؤسسات اقل كفاءة وعلما واستبعاد آخرين، أكفأ وأفضل، وأكثر قدرة على الإدارة، وخاصة في الوزارات الهامة، التي تحولت إلى عائلات وأصبحت مستعصية على دخول أبناء الفقراء والبسطاء، إن تلك المنظومة الفاسدة لابد أن تتغير وان يكون معيار الكفاءة والأكثر علما وقدرة هو معيار الاختيار، وان يتم القضاء على الفساد والرشوة.
الفساد بكل مكوناته آفة ضد إقامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى من أهم أسباب الثورة، وان هناك خطوات مؤثرة تمت في اتجاه القضاء على تلك الآفة ، لكن لايزال يحتاج المجتمع أكثر من التشريعات والقوانين والرقابة حتى يبدأ الطريق السليم نحو تحقيق عدالة بدرجة ما لجميع المواطنين. ضرر إيصالات الأمانة على حياة الأسر المتوسطة ومدى قانونيتها وملاءمتها للواقع الاجتماعي واسمحوا لي أن ابسط الأسلوب بمثال أو مشهد غالبا ما يحدث في الواقع حتى تعم الفائدة مع تقبل النقد مقدما ودائما سأواصل طرح ما يدور بخلدي وان كنت أراه صوابا يحتمل الخطأ المادة 341 من قانون العقوبات أضيفت لظروف خاصة من أهدافها تشجيع رأس المال الخاص على المشاركة بفاعلية في عجلة الاقتصاد وتيسير على أفراد الطبقة المتوسطة في تلبية احتياجاتهم من السلع الضرورية بالقسط وذلك بعد غياب دور الاشتراكي للدولة عهد عبد الناصر أيام ما كانت شركات القطاع العام تلبى مثل هذه الاحتياجات (استمارة صيدناوى للموظفين) وتوحشت فكرة إيصال الأمانة عندما بدأ السادات عصر الانفتاح ورفعت الدولة أيديها عن حماية أفراد الطبقة الفقيرة وتحكم رأس المال الخاص في دوران عجلة الاقتصاد وخبت نجم الدولة وبعدها بفترة شاهدنا عصر الغير مأسوف عليه فرعون العصر الذي سوف يلعنه التاريخ وله فضل السبق في جعل القانون سلاح لذوي رأس المال فيما سمى بالاستثمار الحر فأصبح الرأسمالي سيد وإله ولديه مظلة حماية من الرئيس وأبناؤه ووزرائه إذا وصل إليهم أو من قانون العقوبات ومن ثم ركع معظم الشعب لهذا الغول وضحى بالقيم الاجتماعية وانتشرت الفاحشة والنصب وألوان جديدة من فنون البلطجة وانمحى الضمير والشعار اللي تقدر تغلب به العب به وتأخر دور السلطات الرقابية مقابل الرشاوى والجاهل من أمناء الشرطة انفع للناس من القضاة أو المحامين وازدحمت سجون مصر بالمحابيس على ذمة قضايا إيصالات الأمانة أكثر من خمسة وسبعون في المائة في سجون مصر وفق بعض الإحصائيات وتكلفت الدولة ميزانيات إعاشتهم وما يتخلل ذلك من تزوير ميزانيات السجون .. وساد بين طوائف الشعب لغة أمضى على وصل فغابت لغة الكلمة وقيمتها كشرف الرجل التي هي علاقة بين الله والعباد وكلمة الرسول وسر دخول الجنة وهى التي ضمن بها أبو ذر الغفاري التاجر اليمنى فضاع منا الطريق ونرى في أتفه الأمور يتقدم الإيصال الأمانة حتى شاع في كل أمور حياتنا الزواج والإيجار والوظيفة.. والسؤال الذي يفرض نفسه هل فعلا القانون بيحبس الذي يوقع على إيصال الأمانة؟ أكاد اجزم أن الإيصالات الموجودة في هذا العصر لا ينطبق عليها الشروط الواردة بالنص التجريمي وأنا كل الأحكام الصادرة بالإدانة باطلة بطلاناً مطلقاً ويتعين على المجلس العسكري اصدر قرار فوري بالإفراج عن المحابيس على ذمة تلك القضايا وتعطيل العمل بالنص لحين وضع الدستور الجديد وما ينسلخ عنه من قوانين تحافظ على الحريات والحقوق الأساسية الواردة بالاتفاقات الدولية والموقعين عليها واعتبارها اسمي من تشريع داخلي واجبة التطبيق ودليلي إلى ما ذهبت إليه سبب واقعي وآخر قانوني فمن حيث الواقع لم يعد زيد يسلم بكر مبلغ مالي لتوصيله إلى عمر مع وجود البنوك والفيزا كارت وأماكن الصرف التي تعمل 23 ساعة في كل زنقة بات من غير المنطقي أن يصدق الشخص العادي أن ما تم تدوينه في متن الإيصال يعكس الحقيقة فما بالنا بالقاضي المفترض به معايشته لواقعه الاجتماعي ومتغيراته ومن ثم القضاء بالإدانة أما عن جهل أو مخالفة لضميره المهني وللحق أقول من خلال التجربة العملية نصيب كبير من القضاة يتشككون في حقيقة العلاقة وسبب التسليم فيعمد إلى التحقيق ثم ينتهي إلى عدم اختصاصه والبراءة ولكن هذا مجهود فردى على المشرع أن يرفع عن القضاة هذا العبء ويحد من كثرة القضايا والتي تثقل كاهل القاضي ولها مردود سلبي على إجادته في قضايا أخرى مهمة أولى بالوقت لدراستها من المنظور القانوني أن المشرع عندما وضع شروطا لتطبيق النص السيئ السمعة كان له اعتبارات انتهت كما فعل بالشيك الخطى بإصدار قانون التجارة ألغي العمل به أو الاعتراف به وان كان هذا القانون جعل الجشعين يتلون ويتحايلون لتحقيق أرباح ربوية وفوائد غير شرعية باستبدال الشيك بالإيصال فالأخير مازال له قوته في الردع حتى البنك الأهلي يستخدم الإيصالات في القروض ضمن منظومة الفساد التي نعيشها منذ ثلاثين عاما .. من ثم فان الحكم بالإدانة خالف الواقع ومراد الشارع وهذا يوجب إبطاله للخطأ في تطبيق القانون وتأويله ومن أهم المساوئ أن الاستمرار العمل بهذا النص يحمى فئة أو طائفة من طوائف الشعب وهم التجار والمستفيدين بما يخالف مبادئ الدستور السابقان المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات والاتفاقات الدولية للأمم المتحدة المبرمة بين مصر والهيئة الأممية عام 94 وكذلك ملاحيظ الهيئة عن الحقوق والحريات بمصر بسبب سريان هذا النص أما الذين يخشون بوار تجارتهم أو كساد حالهم أو مصدر رزقهم من المحامين فأحب أطمئنهم بأنه لا يصح إلا الصحيح وان الأصل في مثل تلك العلاقة مرجعها القاضي الطبيعي المدني الذي يقدر العلاقة وسببها ومدى الضرر بعيدا عن سيف العداء بين الطالب والمدين وبالتأكيد يرتاح الجميع لحكم القاضي أما القاضي الجنائي يستغرق القضية شهور ثم يحكم بعدم الاختصاص إعادة إلى القاضي المدني ودنك منين يا جحا « مع الأخذ بالاعتبار الحقد والضغينة في النفوس وتبادل تلفيق التهم والقلق النفسي والسمعة غير الطيبة وإخوانا المحامين أرى من الأصوب أن يتحقق النجاح إمام القاضي المدني فيبقى الموكل عليك ويحمد جهدك من أن يتركك إلى أمين شرطة فاسد أو زميل آخر بدون تقصير إذا ما قضى بالبراءة ويذاع خيبتك وصل أمانة يأخذ براءة فيعزف عنك الكثيرين والبركة في القليل
× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
القوانين الاجتماعية الفاسدة 1952