لا تزال مملكتا الجعاشن والعدين خارج إطار المكان الجغرافي والوطني والإنساني للجمهورية اليمنية، ولازالت العقليات القديمة والعقيمة هي من تتربع الزمان والمكان، تتحكم في أقوات الناس وأرواحهم وتحصي لربما أنفاسهم حينما تريد ذلك، فمن يسمع عن ما يمارسه المشايخ والنافذون في تلك البقعة الجغرافية لا يكاد يصدق ما يسمعه أو يذهب إليه خياله،الطبيب العامري والثائر محمد الحسام والمواطن الجعوش ونجله ومهجرو العنسيين والجعاشن وأخرها الطفل نادر...حوادث وأسماء عدة لا يتسع المقام لسردها لكنها قطرة من فيض بحر مليء بالمظالم والشكاوى وامتهان حقوق الناس وكرامتهم في تلك الممالك... واقع ناقع مر أشد وطأة وأفضع ظلماً وأسوأ امتهاناً تتعرض له الإنسانية في ربوع السعيدة، لا يزال الملك حمورابي وشريعته وكرباحه هم من يسيرون أمور الحياة والعباد والبلاد وهم من يبسطون سياجاً منيعاً يحول دون وصول الثورة السبتمبرية إليها، فكيف لحادثة مروعة أن تمر مرور الكرام كالتي جرت الأسبوع الماضي عندما أقدمت مليشيات تابعة لمحمد أحمد منصور برمي الطفل نادر خالد قاسم من سطح منزل وشردته هو وأسرته إلى ساحة خليج الحرية؟ كيف لهذه الجريمة أن تمر ولا يهتز لها سماء اليمن جنوباً وشمالا؟ كيف تمر والثورة الشبابية لا تزال قائمة ومستمرة ولم تتحرك القوى الثورية بكل فئاتها المتعددة تجاه هذه الجريمة ووسط إيقاعات اليوبيل الذهبي لثورة سبتمبر والشعب والحكومة يحتفلون بثورة سبتمبر بينما شيخ الجعاشن يحتفل بطريقته الخاصة؟.. إن ما تعرض له الطفل نادر ليست حالة نادرة وهي واحدة من آلاف الحوادث التي تجري ولا تزال في مملكتي الجعاشن والعدين ولا تصل إلى وسائل الإعلام والرأي العام، ما تعرض له أبناء الجعاشن مراراً وتكراراً من تهجير وتشريد كان فيما مضى وإلى ما قبل الثورة الشبابية أمراً قد نتفهمه أو نتقبله بنفس غير راضية، ذلك لأن سياسة النظام السابق عودتنا على تغذية النافذين والمشايخ وجعلهم وسيلة من وسائل السيطرة والبقاء في خانة تأييد النظام خصوصاً في المواسم الانتخابية، لكن اليوم وبعد قيام ثورة عارمة استطاعت إسقاط رأس النظام رغم كل ترسانته العسكرية فلا أظن الثورة عاجزة عن إسقاط شيخ نافذ وإحلال النظام والقانون على الجميع واستعادة مملكتي العدين والجعاشن إلى حاضنة الجمهورية اليمنية، إلا إذا كانت القوى الثورية والحكومة ومنظمات حقوق الإنسان قد أصابها العطب والخواء والشلل والبحث عن المصالح الضيقة بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا، ما تعرض له الطفل نادر يجعل القوى الثورية والسياسية أمام تحدٍ واختبار صعب وقاسٍ جداً، إذ لابد من الانتصار للقيم الإنسانية قبل الوطنية، ما لم فإننا متواطئون مع الجلاد، وعلى ثوار إب مسؤولية أخلاقية كبرى تنتصر لثوريتهم والتي لم تتعرض لاختبارات صعبة ومعقدة أثناء قوة وزخم العملية الثورية خلال عام ونصف من انطلاقة الثورة، على تلك الحشود المليونية والمسيرات العملاقة والعظمى أن تتجه لاستعادة إب أرضاً وإنساناً إلى مكانها الطبيعي وموقعها الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد ولكي يتنفس ربيع الحرية ويجد الشعور بعملية التغيير الإيجابي والذي لا يزال بعيداً عن أبناء هذه المحافظة الذين جادوا بأرواحهم في سبيل الحرية في شتى ساحات وميادين الثورة.
فيا أبناء إب وثوارها لابد من استعادة كرامة المحافظة وإعادة الاعتبار لمهجري الجعاشن وإغلاق السجون الخاصة وإيقاف النهب الدائم والمستمر لأراضي إب، فمن لا يضغط ويستمر في عملية الضغط لا يمكن أن ينصفه أحد، ولا يمكن الاعتماد على حكومة غارقة في وحلها السياسي حد القرف، لا يمكن الركون والاعتماد على الحكومة كي تنتصر للطفل نادر وتعيد له اعتباره وتكرم مهجري الجعاشن وتعيدهم إلى قراهم المهجرين منها كبشر هم أبناء اليمن وليسو أجانب تسللوا بطرق غير شرعية إلى بلادنا.. كنت أظن أن الطفل نادر سيكون ملهماً وعنواناً جديداً يفجر ثورة جديدة في وجه ما تبقى من فاسدي النظام السابق وممن يقفون عقبة كبرى أمام عملية التغيير، كنت أظن عند وصولي الخبر أن هذا الطفل البريء سيكون كحمزة الخطيب أحد ملهمي الثورة السورية ورموزها الكبار، لكن بعض الظن إثم، فما تعرض له الطفل لا يهز وجدان الثورة وضمير النخب السياسية.
وأخيرا بودي أن أضع أسئلة مشروعة: ماذا لو كان هذا الطفل هو أحد أبناء أو أحفاد الرئيس هادي؟ ماذا لو كان الطفل نادر هو خالدة محمد باسندوه؟ وأيهما اكبر وأولى بالاهتمام ما تعرض له الدكتور/ ياسين سعيد نعمان ورفاقه من قيادات الثورة من محاولات اغتيال أم ما تعرض له الطفل نادر من رمي وتشريد؟ ثمة فرق واضح كالشمس في رابعة النهار...
وختاما أين الثائرة والأم الحنون لحقوق مهجري الجعاشن توكل ما قبل نوبل وليس بعدها؟ ولابد من الاستشهاد بأحد أبيات الشاعر/منصور بتصرف يسير في إشارة لما تعرض له الطفل نادر من اعتداء قاسي ووحشي (خطب تقمص في الورى... وكسى السعيدة رقعة سوداء).
أترك الإجابة للجميع وعلي حسرة وغصة وألم واختناق، فيا ليت شعري متى ننتصر لقيمنا وأخلاقنا؟.
محمود الحمزي
مملكتا العدين والجعاشن هل تصلها ثورة الشباب؟ 2146