إن المعلم قدوة، ومن الصعب على المتعلمين وبالذات في المراحل التعليمية الأولى الفصل بين ما يقوله المعلم وما يفعله، وهذا المنصب الجليل منصب القدوة يجعل المعلم حافظاً لمركزه المهم، ومكانته في أنفس التلاميذ: قال عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك؛ فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت.
قال عبدالملك بن مروان لمعلم ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة؛ فإنهم أسوأ الناس دعة، وأقلهم أدبا.
إن التفوق الأخلاقي ليس ترفاً زائداً في مهنة التربية والتعليم، وإنما هو صميم التربية وأساس التعليم، فالأخلاق حقائق الرجال، وبها بقاء الأمم والشعوب، يقول الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت      فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إن التفوق الأخلاقي يشمل المعلم على مدار وقته، وفي سائر تصرفاته، وفي كلامه إذا قال، وفي أفعاله إذا صنع شيئاً أو أقدم على عمل، إن هذا هو قدر المعلم أن يكون تحت طائلة رقابة العيون، عيون تلاميذه وعيون مجتمعه، وقبل ذلك رقابة الله عز وجل.
إن التفوق الأخلاقي يعني تربية مستقيمة، وتعليماً سليماً، وأداء للأمانة، والتزاماً بالمسئولية الملقاة على عاتق المعلم، الذي يقف في مقام الرسول المعلم، وعليه أن يعلم بالأفعال قبل الأقوال: خلقاً كريماً، وأخلاقاً عظيمة، صدق لسان وعمل، وأمانة فعل وأداء، وعزة نفس لا كبر فيها، وتواضعاً لمن يعلم ولمن يتعلم لا يخالطه ذل، ورحمة لا يشوبها ضعف، وقوة لا تفضي إلى جلافة الأعراب، وحزماً في لين، هكذا في سائر الصفات الأخلاقية، لقد تعلمنا ممن أخذنا منهم العلم قبل العلم أخلاقاً، وكلام ألف رجل قد لا يؤثر في رجل، وعمل رجل واحد قد يؤثر في ألف رجل، وأبلغ الخلق ما تراه العين قبل أن تسمعه الأذن.
إن المعلم في مهمة رسالية، فهو ليس مذيعاً لنشرة خبرية، كما أنه ليس معلناً لمنتج شرائي، إنه روح المجتمع التي تسري في أنفس من يعلمهم، وهو أيضاً ربان السفينة التي تبحر بهم في خضم الحياة العلمية والعملية، والخلق رزق عظيم، والرزية في فقده عظيمة جداً، والغبطة في الحصول عليه عظيمة جداً ويكفي أن نعلم أن الله تعالى لما وصف عظمة نبيه اختار وصفه بالخلق العظيم فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم.. وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدف بعثته أخلاقياً فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي بعض الروايات: "إنما بثت لأتمم صالح الأخلاق".
ويكتسب التفوق الأخلاقي من خلال المعنى الديني للأخلاق ومقامها، فمن علم مقام الأخلاق عند الله ومنـزلتها لديه سبحانه التزم التفوق الأخلاقي سبيل حياة، وطريقة معيشة.. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحشاً، ولامتفحشاً، وإنه كان يقول:"إن خياركم أحاسنكم أخلاقا". وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أثقل شيء في الميزان يوم القيامة خلق حسن".
 والنظر فيما يحبه الله وما يبغضه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله، فقد استكمل الإيمان".
والنظر فيما يحسن ذكره وشره، كما قيل أن عيسى سئل عمن أخذت هذا الأدب، فقال: ما علمني أحد ولكن رأيت ما يستحسنه ففعلت، وما يستقبحونه فتركته، وكذلك من خلال تجنب قرناء السوء ومواطن الشبه فإن من تردد على مواطن الشبه اتهم.