أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأس طغى من فعل طاغيها
استمرار الثورة وإحياءنا مناسباتها
لا شك أن حدث ثورة 26 سبتمبر عام 62م من القرن الماضي حدث عظيم إن لم يكن أهم حدث في القرون الأخيرة في اليمن، حدث جاء بعد مرور 1150سنة هـ من سنة الاستبداد والاستعباد، والظلم والقهر، والتجهيل والتدجيل، وتقسم الناس إلى طبقات، بل إلى سادة وعبيد، ومُراد ومريد، مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنها من نزغات الشيطان ((أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين))، وهم وظن أن النار المحرقة خير من الطين التي يخرج منها من كل فاكهة زوجان، وفيها طيب الأرزاق من منن الكريم الخلاق، كونت من أجلها الميحطات والبحار، والشمس مسخرة لتبخر الماء الزلال فيتصاعد فيكون السحب الثقال، وسخر الرياح لتسوق المعصرات الممطرات، فترش هذه الأرض رشاً رفيقاً دقيقاً، فتشرب منه الطينة ما تشرب، وتخزن ما تخزن، ومن كل ذلك تتكون خيرات لا حصر لها.. فأي فضل للنار المحرقة على الطينة المحتضنة لكل خير؟ وهكذا العنصريون الآدميون الذين تجمعهم بغيرهم النسبة الطينية، صنعوا وادعوا لأنفسهم خصائص لا أصل لها، فلا فضل ـ حقيقي ـ للبرهمي في الهند على غير، ولا للبوذي في الهند والصين على غيره، ولا للآري في ألمانيا على غيره ولا لليهود الذين سموا أنفسهم شعب الله المختار فضل على غيرهم.. وما كانت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس إلا لأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله حق الإيمان، فإن هي تخلت عن ذلك رُدت إلى أسفل سافلين.
فيا من حكمت لنفسك بالفضل المطلق والحق المطلق بإرث السيادة، والقيادة للعالمين، هون على نفسك، واستقر على الرضا بما قد مضى من قبل 1433 ـ 283 ـ تجدها نصيباً أوفر ولو كان غير شرعي لأنه أخذ بقتل وقتال، وتمزيق وتفريق لشعبٍ يحسن الظن بمن يأتيه باسم الله وعلى ملة رسول الله، ولو كان ادعاءً، فلا يسأل، ولا يراقب، ولا يحاسب، بل لا ينظر إلى المقياس الأهم: التقوى ـ العمل ـ العدل ـ الصدق ـ الحجة ـ القدرة والكفاءة، لكن اليوم غير الأمس، تعلم الناس فعلموا، وراجعوا واقعهم الماضي المرير فندموا فثاروا ثورتهم الأولى فأعطوها من عمرهم وجهدهم ومالهم ثمان سنين حتى أزاحوا المستبد، وثاروا ثورتهم الثانية على الغازي المستعمر وسلاطينة فأعطوها مثل ذلك حتى تخلصوا من ظالميهم، وثاروا اليوم على الاستبداد وبوادر التوريث، فكانت ومازالت ثورة سلمية تصحيحية لا عنصرية فيها ولا مذهبية، ولا طائفية فيها ولا جهوية فدخل فيها معظم الشعب بصدق وشجاعة وإخلاص وجد وإصرار، وأندس فيها من اندس يرقبها عله يجدها مركبة وعبارة لما يريد، فاكتشف أنها ليست كذلك فانقلب ضدها يخزل ويمكر ويتآمر فانكشف، أمره وفضح سره، وكان ذلك الخير الكثير، بل بشرى كما وقفنا مع ذلك في الحلقة الماضية.
وبشرى اليوم ليست جديدة إلا بتكررها واستمرارها، وهي في هذا العام أهم من كل عام، إذ كانت الإمامة في الماضي القريب قد يئست أن تعود أو تسود، فوجدت في ظلال الحكم غير الرشيد مجالاً لأن تطل وتنفث في عقدٍ مستوردة من خارج البلاد والمذاهب المعتبرة في اليمن، وبدأ ت تضع تلك العقد في صرر من النقود والدعاية الكاذبة الخاطئة فتوزعها، حتى وصلت إلى أماكن وما كان لها أن تصل إليها لولا النقود والوعود، ولكن هيهات أن يُستعبد الناس بعد اليوم وقد علموا أنهم ولدوا أحرار.
أنجب ما أنجبت ثورة 26 سبتمبر 26 و14 أكتوبر 63 هذه الثورة الجديدة التي لم تستكمل أهدافها بعد، وقد قامت لتصحيح ما فسد، وإنقاذ الشعب والبلد، قام بها وساندها الصادقون الغيورون الحريصون على تحقيق الخير لشعبهم، فقد آلوا على أنفسهم أن ينجزوا المهمة، وأن لا يبرحوا حتى تنتهي المحنة، ويستقيم الوضع بإرساء تقاليد شوروية ديمقراطية، وضمانات دستورية، وقواعد الدولة الرشيدة.
ولا يضر بعد ذلك بقايا روائح الفساد فستزول برياح التغيير الدائمة التي يحركها العلم والعقل والوحدة والأخوة، والثورة المتجددة على كل ما سيظهر من انحراف فقد عرف الناس جميعاً أن لا حياة كريمة، ولا أمن ولا أمان، ولا سيادة خالصة، ولا سعادة كاملة في ظلال تسليط الفرد.
ولا تُنسينا الثورة الجديدة الثورة الأم، فلا بد من الوقوف معها كل عام للتذكر والتذكير، والتنبيه والتحذير لئلا تسرق الثانية كما سرقت الأولى، والله غالب على أمره.
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ..... 1873