عندما انطلقت ثورة الحراك في المحافظات الجنوبية في العام 2007 م استبشرنا خيراً وقلنا إن الظلم الواقع على هذه المحافظات لن يستمر وسيزول قريباً، ودعمنا ذلك الحراك من منطلق رد الحقوق وإعادة ما تم نهبه من أراضٍ وممتلكات وثروة نفطية وغيرها، وإعادة الكوادر الجنوبية إلى وظائفهم، وقد شاركنا فعاليات وندوات ومظاهرات ذلك الحراك السلمي ظناً منا أن الإخوة في الحراك السلمي سيصعدون من مطالبهم المشروعة في ظل الوحدة التي تمت في عام 1990 م ويحملون مسؤولية ما حدث في الجنوب طوال فترة 20 عاماً النظام المستبد في صنعاء، إلا أنه وللأسف وفي الآونة الأخيرة برز فصيل أو فصائل من الحراك الجنوبي تدعو لحراك غير سلمي وتدعو للانفصال وفك الارتباط - كما يسمونه -، وانحرفوا في نضالهم السلمي وأخذوا في كيل التهم لأحزاب اللقاء المشترك وبالأخص حزب الإصلاح، وكأنما حصل في الجنوب من غبن وظلم ونهب للثروات إنما سببه تلك الأحزاب وتناسوا النظام الحاكم بل برأوه من كل تلك الممارسات، والدليل على ذلك تحالفهم معه الآن في تبني فكره الانفصال، ونحن ندرك أن الأخوة أخذوا يهيجوا عواطف الناس البسطاء والشباب صغار السن وأخذوا يصورن لهم أن الوضع في الجنوب قبل عام 90 م كان وضع رخاء وازدهار وكأنهم في دول اسكندنافيا وأنهم كانوا ينعمون بالأمن والاستقرار، ونسوا أو تناسوا أو أن معظمهم من جيل الشباب الذين غاب عنهم ماكان يحصل من سفك للدماء وتكميم للأفواه وتشريد للناس وتأميم ممتلكاتهم، وفرض النظام الماركسي المدعوم مما كان يعرف بالمنظومة الاشتراكية.
ومنذ قيام ذلك النظام عقب الاستقلال في العام 1967م، لم يتوقف عن سفك الدماء واغتيال الشخصيات الوطنية بدءاً من الحرب الأهلية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير أثناء رحيل قوات الاستعمار البريطاني، ثم مروراً بالمجزرة البشعة لمشايخ يافع والتي قتل فيها 65 شيخاً في السيلة البيضاء، وحادثة الطائرة التي أُسقطت وهي تحمل كوادر اليمن الجنوبي من دبلوماسيين ووزراء وضباط عسكريين، ثم سحل العلماء في شبوة وحضرموت ومجزرة 13 يناير 86 19م والتي راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف من خيرة أبناء الجنوب بالإضافة إلى سجن المناضل الرئيس / قحطان الشعبي حتى توفي في سجنه، وكذلك إعدام الرئيس المناضل / سالم ربيع علي.
قد يقول أصحاب الحراك غير السلمي إننا تصالحنا وتسامحنا، فأقول من تصالح مع من ؟ هل تصالح علي سالم البيض مع علي ناصر محمد ؟ أم تصالح محمد علي أحمد مع شلال علي شايع ؟ أم تصالح باعوم مع النوبة ؟ وما مصير من سفكت دماؤهم وهم بعشرات الآلاف؟.
عن أي أحلام وأمانٍ يهيجون بها عواطف الناس وهم لم يتفقوا فيما بينهم، وتراهم يتراشقون باتهامات الخيانة والعمالة فيما بينهم؟ وأي أمن واستقرار ورخاء سيحدث في الجنوب وهم يصفون زملاءهم الذين يختلفون معهم في الرأي بتلك الأوصاف، بينما هم قد ارتموا في أحضان الأجنبي من استعمار قديم وروافض وبقايا نظام الرئيس السابق.
أليس من العار أن نرى من يتزعمون ذلك الحراك المشبوه هم من الأصنام القديمة، والزعامات التي عفا عليها الزمن، والذين تصارعوا فيما بينهم؟ أين كان البيض وقد خرس طوال 16 عاماً بعد هروبه المخزي إلى عُمان ؟ ألا يدل ذلك على أن الرجل تحركه قوى خارجية، وأن الشوق قد هزه للعودة إلى كرسي الحكم؟ هل تشوق ورفاقه لإعادة سفك الدماء في الجنوب والانتقام مما كان يعرف بالزمرة ؟.
إنني هنا أوجه النصح إلى الإخوة المخلصين في الحراك الجنوبي السلمي بأن لا ينجروا وراء تلك القيادات العمياء التي عاثت في البلاد دماراً وفساداً وقتلاً وظلماً، وأن يختاروا قيادات شابة ومخلصة وأن يستمعوا إلى منطق العقل والحكمة، وينضموا إلى إخوانهم في الدعوة إلى الحوار الوطني ويطرحوا ما لديهم بكل شفافية وصراحة.
المخرج الوحيد لنا في الجنوب هو الحوار ولاشيء غير الحوار، البلد أخذت في الانجرار إلى ساحة حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله وستتمزق الجنوب إلى دويلات وسلطنات ومشيخات، إن السلاطين والأمراء والمشائخ الذين يقيمون في دول الخليج قد أخذوا يحزمون أمتعتهم للعودة.
من منكم سيعترض عندما تطلب حضرموت والمهرة فك الارتباط والانفصال من جمهورية الجنوب العربي (على حد وصفكم)؟ أليس من حقهم ذلك؟ وكذلك شبوة، وعندما ينادي أبناء عدن بمطلب (عدن للعدنيين ) فقولوا لي كيف سيكون موقفكم يا أبناء يافع والضالع ولحج وأبين ؟.
عودوا إلى رشدكم، دعوكم من العواطف التي تهيجوا بها العامة من الناس، فالعالم اليوم يتجه إلى احترام الكيانات الكبيرة بعدد سكانها وسعة أراضيها، الأمم الأوربية وهي عدة قوميات وبها ديانات مختلفة تتجه اليوم للتوحد، وكذلك دول جنوب شرق آسيا والدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.
نحن ندرك أن العالم اليوم بات يحترم الكيانات الكبيرة ويتعامل معها على هذا التوجه، أما التشرذم والتقزم فلم يعد له مكان، فإذا تمزقنا وتفككنا سهل على الأعداء ابتلاعنا، الاستعمار البرطاني يحلم بالعودة إلى عدن، وأمريكا تريد احتلال اليمن لضمان تدفق النفط من دول الخليج خاصة بعد التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، (أرسلت أمريكا جنود المارينز إلى صنعاء بحجة حماية سفارتها).. كذلك إيران تريد موطأ قدم لها في اليمن لشعورها بأن نظام الأسد في سوريا أخذ في الانهيار.
هذه نصيحتي لإخوتي في الحراك ((فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله))
* عضو مجلس النواب
عبدالخالق بن شيهون
الحراك الجنوبي إلى أين؟! 2373