إن إعادة الأمن هو المهمة الأولى لوزارة الداخلية التي أكد على احتياجها المستمر لإعادة هيكلتها بصورة سليمة واحتياج ضباط الشرطة إلى التشجيع ورفع روحهم المعنوية، بجانب تأكيده على ضرورة تلبية الاحتياجات الأساسية للناس حتى تساعد على الأقل تقليل ارتكابهم لحوادث البلطجة أو الإقدام عليها.
مع ضرورة وجود نوع من الرقابة العامة على كل الأعمال الحكومية وغيرها من الهيئات والمصالح مشيرا إلى أن هذا لا يمنع البعض من ارتكاب الجرائم قائلاً إن الإنسان بطبعه طماع، مناطق معينة في مصر اشتهرت بأنها أوكار للبلطجية والمجرمين ومخازن للأسلحة تفكر الشرطة ألف مرة قبل أن تحاول اقتحامها خاصة أن هذه البؤر الإجرامية من إنتاج وزارة الداخلية نفسها التي ربتهم على أعينها لاستخدامهم في إحكام السيطرة على هذا البلد وبث الرعب والخوف فيمن تطوع له نفسه مخالفة حكم الحزب الوطني المنحل ورئيسه المخلوع.
وعن صفات البلطجية قال إنهم في الغالب يكونون معروفين، ويمكن لأي مواطن التعرف إليهم من خلال الشكل والهيئة والملابس وطريقة الكلام، والتدخين، ومن بعض المتعلقات كحمل السنج الحديدية أو الهراوات الضخمة، وكذلك الأسلحة البيضاء والنارية، ويتمركزون غالباً في الأماكن النائية والشوارع المظلمة، وعلى الطرق السريعة والفرعية الخالية من الخدمات الأمنية، ولهذا يمكن لمن يريد تجنبهم الابتعاد بقدر الإمكان عن الأماكن التي يتجمعون فيها، وعدم الدخول مع أي منهم في جدال أو مشاحنات إذا دعت الأقدار لمقابلة أي منهم في مكان عام أو سوق أو عربة ميكروباص، واستمر الدور الذي تلعبه دولة البلطجية لصالح النظام السابق حتى بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، وذلك بسبب استمرار السلطة في أيدي بقايا هذا النظام التي كانت تحاول إعادة إنتاج النظام مرة أخرى معتمدة على تخويف الناس من الفوضى والبلطجة التي انتشرت بشكل كبير عقب نجاح الثورة، وقد شاهدنا كيف قام هؤلاء البلطجية تحت رعاية وزارة الداخلية والشرطة العسكرية بقتل المتظاهرين في الأحداث التالية للثورة، خاصة في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، ما انتشرت السرقات بحقول الفلاحين بسبب انقطاع الكهرباء كما حدث مؤخراً في بعض قرى المنيا، حيث أكد عدد من المواطنين على انتشار حالات السرقات في أغلب القرى والنجوع والعزب، خاصة في المناطق المتاخمة للطرق السريعة والصحراوية، حيث تتعرض محاصيل الذرة الشامية والخضروات وحدائق الموالح لسرقات مستمرة بسبب انقطاع الكهرباء عن الطرق الرئيسية، كما أصبحنا نسمع الآن عن ضبط ورش لتصنيع الأسلحة أثناء الحملات الأمنية المكثفة لقوات الشرطة لضبط عدد من العناصر الإجرامية حيث تبين ببعض المناطق قيام عاطلين بمزاولة نشاط إجرامي في مجال تصنيع وتجارة الأسلحة النارية بدون ترخيص بل وصل الأمر إلى حد اتخاذهما من مسكنهما مسرحاً لمزاولة نشاطهما الإجرامي، الأسوأ من ذلك أن بعض عائلات الصعيد أصبحت تقدم الآن هدايا للعائلات الأخرى في المناسبات طرود ذخيرة أو قنابل يدوية، فقد أصبحت متاحة للجميع وأصبحت العائلات في الصعيد وفى الوجه البحرى على حد سواء تتفاخر بامتلاكها أخطر أنواع الأسلحة وأصبح السلاح الآلى من الأسلحة التي عفي عليها الزمن ولم تتوقف علاقات دولة البلطجية عند حدود النظام السياسي، بل تعدته إلى العديد من مؤسسات وفئات المجتمع الأخرى. حيث بدأت تظهر العلاقات التي تربطها بنخبة الفن والإعلام، وكذلك الأمر بالنسبة للكنيسة المصرية التي لعبت أدواراً سياسية غاية في الخطورة طوال العقود الثلاثة الماضية، سواء في تقديم الدعم للنظام السياسي أو في محاولتها لبناء دولة نصرانية في مصر عبر الاعتماد على الحصول على امتيازات طائفية غير مسبوقة من النظام السياسي جعلها دولة فوق الدولة المصرية، مستندة في ذلك إلى القوة المفرطة التي تحصل عليها ابن الكنيسة صبري نخنوخ رئيس دولة البلطجية، وقد كان لوزير داخلية المخلوع حبيب العادلي النصيب الأكبر في رعاية الإجرام في مصر أثناء فترة ولايته بالوزارة حيث مكث أكثر من 14 عامًا، فكون العادلي عصابات خاصة كان يستخدمها لضرب المعارضة والقضاء على المظاهرات السلمية المناهضة لحكم الحزب الوطني المنحل ورئيسه المخلوع، ففي عام 2005 وأثناء الانتخابات البرلمانية، أراد النظام البائد أن تجري الانتخابات بطريقة شفافة ونزيهة ظنًّا منه أنه يمتلك أرضية شعبية في الشارع المصري، ولكن نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات أظهرت تفوقًا بالغًا من قبل جماعة الإخوان المسلمين المعارضة الحقيقية وقت ذاك على أذناب الحزب الوطني المنحل. وحاول العادلي ورفاقه أمثال اللواء بدر القاضي- الذي استعان بنخنوخ أشهر بلطجي في مصر- تدارك الموقف في المرحلتين الثانية والثالثة لقطع الطريق على الإخوان الذين أتوا بالشرعية الشعبية وحفاظًا على كراسيهم التي دامت طويلاً تستنزف خيرات البلاد والعباد. ونجحت الداخلية عن طريق فرق وميليشيات البلطجة في إثارة الرعب في نفوس الأهالي ومنعهم من الإدلاء بأصواتهم وتزوير الإرادة الشعبية، وقاموا بشراء الأصوات الانتخابية لصالح مرشحي الحزب المنحل وبذلك تمت مباركة المافيا السرية لوزارة الداخلية في عهد وزير المخلوع، واستطاع العادلي بمعاونة رئيس جهاز أمن الدولة العقل المنفذ لمافيا البلطجة بناء مستعمرة ضخمة في الكيلو 21 طريق مصر إسكندرية الصحراوي وهي عبارة عن قصر كبير به 15 غرفة على مساحة ألفي متر مربع بجانب حديقة كبيرة بها غرف مختلفة للتعذيب غرف الخوازيق وغرفة الكهرباء وغرفة الذبح وغرفة بها مجموعة من الأسود لإطعامهم جثث ضحايا المافيا لإخفاء معالم جرائمهم. وبعد سقوط العادلي ورفاقه إثر قيام ثورة يناير التي أطاحت برجال مبارك ممن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية ونشروا البلطجة وقضوا على الأمن والأمان، تحركت عصابات منظمة لنشر الفوضى في الشارع المصري من خلال تفجير كنيسة إمبابة وأطفيح ثم أحداث مسرح البالون محمد محمود وماسبيرو وكذا اقتحام السجون يومًا تلو الآخر. وتفاقمت الأزمة الأمنية خاصة بعد استبعاد ما يزيد عن 4 آلاف ضابط من جهاز أمن الدولة المنحل، وتشير الإحصائيات إلى وجود 500 ألف بلطجي يتبعون هؤلاء الضباط.
ظاهرة البلطجة أن حوالي 50% من المسجلين خطر تتراوح أعمارهم بين 18- 30 عامًا وأن أغلبهم يتركزون في محافظات القاهرة وبورسعيد والشرقية بواقع 8،49% من المسجلين خطر على مستوى الجمهورية، وأن محافظات الوجه البحري تضم 31% من المسجلين خطر ومحافظات الوجه القبلي تضم 24% والإسكندرية وحدها تضم 7،9% وبورسعيد 5،2% والسويس 9% بينما تقل ظاهرة البلطجة في محافظات الحدود وهي شمال وجنوب سيناء ومطروح وأسوان. أنه يوجد 50 ألفًا و733 مسجلة خطر في مصر، أن 57% من البلطجية يعملون بمفردهم بينما 34% يعملون في تشكيلات عصابية والباقين يشتركون في الجرائم الفردية أو جرائم العصابات، وجود 65% من البلطجية والمسجلين خطر غير متزوجين و27% من المتزوجين و6،8% من المطلقين وأقل من 1% أرمل، وأن أكثر من 3/2 المسجلين خطر هم من الأميين وأن أقل من 2% منهم يجيدون القراءة والكتابة وأن العلاقة بين الإجرام والأمية علاقة عكسية وأن 5،1% من المسجلين خطر من الجامعيين بمعنى أن الثقافة والتربية والتعليم صمام الأمان أمام وقوع الشباب في عالم البلطجية.
الغريب في الأمر أن هؤلاء يتحركون وسط الأهالي بسهولة دون القبض عليهم عن طريق حملهم كارنيهات للعديد من المهن مثل الأطباء والصحفيين والضباط وأساتذة الجامعات والمحامين لتعطيهم الحرية في الحركة والتنقل من محافظة لأخرى، نجحت هذه البؤر الإجرامية في شن حملات ترويعية والقيام بأعمال إجرامية منظمة عقب سقوط المخلوع في تنفيذ وعيده بإحلال الفوضى وإثارة الرعب وكانوا هم الأداة التي استخدمها "الطرف الثالث" في ارتكاب جرائم القتل وإثارة الفتن في مجزرة بورسعيد وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من الأحداث الدامية بعد الثورة وخلال فترة حكم المجلس العسكري حتى احتل ملف الأمن المرتبة الأولى على أجندة رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي الذي بدأ حملة لمواجهة البلطجة والإجرام وإعادة الأمن، وبالفعل بدأت قوات الشرطة والجيش في عمليات موسعة في شبه جزيرة سيناء من خلال العملية "سيناء"، بالإضافة إلى الحملة الأخيرة على بحيرة المنزلة لمداهمة البلطجية في بؤرهم وتطهيرها.
--
كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
استغلال البلطجة سياسياً وجنائياً 2475