مقام رسول الله أرفع من أن ينال بفلم أو صحيفة، ومكانته أعظم من أن تمس وعظمته في قلوب المسلمين أعظم وأسمى من أن يساء إليه، وحبه دين، وعبادة، وصلاة عليه، نتقرب بها ونتحبب بها إلى الله، ولا أرانا بحاجة لاختبار مسيء وحاقد لنثبت له كل هذا الولاء وهذه المحبة.
ونحن نقدر ونكبر ونجل هذه الروح الغاضبة المحبة لرسول الله وهذه المبادرة والاستجابة الحيوية التي أبداها الشارع المسلم في تعامله غير المتهاون مع هذه القضية، ولكن المزعج والمقلق أن يتحول الأمر إلى حماسة هبلاء و مجنونة وغضب منفلت، وهياج أعمى متشنج، وفي أفق انفتح على العاطفة أكثر من العقل، ووجدت فيه لغة التحريض والكراهية طرقاً ومنابر كثر زاحمت فيها لغة الحكمة والاعتدال، بحيث تحول الأمر إلى غوغائية، تعتمد "التحشيد" العاطفي وإثارة العصبيات النائمة لا أكثر.
إن المجانين لا يصلحون حماة لقضايا عاقلة، وهذا الانفلات مهما تدثر بالنبل وفضيلة الغيرة يهزمنا ابتداء، ولا يخدم قضيتنا ولا يصب إلا في صالح تكريس تلك الصورة التي روجتها إسرائيل في الغرب عنا في ذهن الآخر، وهو ما يصعب مهمتنا أكثر، لا سيما ونحن نبذل الكثير من الجهد في سبيل رسم حدود تفصل المقدس عن العنف ونحاول إيجاد مقاربة معقولة بينهما يمكن خلالها ضمان البقاء الكريم والتعايش الممكن على قاعدة المشترك الإنساني عموماً.
ما أظن راشداً يقبل بأن يتجاوز التعبير حده ويتحول إلى عاصفة عنف هوجاء تضرب الأرجاء، يقودها الجنون والأحقاد،، وتختزل فيها طبول الحرب وتوقد نيران الثارات، تستدعي تواريخ الصراع، تخلط الأوراق، ويعلن نافخو العداوات عن نقم كونية تضعنا في خط النار ضد أنفسنا وضد الجميع.
لنصارح أنفسنا في جه المد الناقم الذي لا يرى غير نقمته ولا يحسن سوى توعد العوالم بالهلكة والدمار حتى وهو يدعي الذب عن حياض بشير الإنسانية ونبي الرحمة المبعوث (رحمة للعالمين)، لا يسعنا إعلان الحرب على العالم بأسره وعلينا إدراك حدود مسئوليتنا عن تلك الصورة الشائهة لنا في مخيلة الغرب، نحن الغائبون المغيبون في عصر الصورة وعصر العولمة حيث تحدي الأقوياء وحيث لا مكان للضائعين صوتاً وصورة.
بقي القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مجرد شخص، إنه مشروع عالم ولقد تحمل الرسول الإنسان بالأمس الكثير من الأذى في سبيل هذا المشروع الكبير وما يناله اليوم من أذى الغير ليس إلا بسبب عجز وتخلف حملة مشروعه من بعده.
محمد سيف عبدالله العدينى
عن الإساءة لرسول الله 2519