أرى البشائر تتراى في نواحيها.. من بعد يأسٍ طغى من فعل طاغيها
انكشاف أمر الأَدعياء
أربكت الثورات العربية الأخيرة الناس خاصة أصحاب المواقع السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، وأصحاب الطموحات الكبيرة بأرصدة تاريخية معتمة، وبضاعات مزجاة، وأصحاب المصالح الآنية المغرية مقابل أقوال وأعمال يؤديها صاحبها قد تكون دنسة وهي في الغالب كذلك، يغضب بها ربه، ويضاعف بها ذنبه، ويضرُّ بها شعبه، فما ضر الشعوب أكثر من أصحاب الكذب والنفاق فاقدي الأخلاق، وأصحاب الأنانيات والعصبيات والتعالي بغير مؤهلات العلو! هذه الأنواع من أصحاب المصالح الوهمية أُربكت بالثورة، واحتارت في الاختيار بين التأييد والرفض، بين التمسك بمصالح يرونها بين أيديهم وربما تستمر ومصالح يرجونها من الجديد قد لا تتحقق فاختار أكثر هؤلاء الثبات على المصالح والتمسك بالمعطى، ساعدهم على هذا الاختيار أنهم على غير مبدأ صحيح، فاستعدوا لتنفيذ ما يطلب منهم للدفاع عن المواقع والمنافع حتى بالوسائل المحرمة، وغير الشريفة، فإذا قيل له حُد لسانك وأظهر وقل كذا أو أقر كذا قال "مستعد للزيادة" على ما طُلب لكن هل سيزيد العطاء؟ قالوا نعم، فذهب وقال خلاف الحقيقة، وهو يعلم في قرارة نفسه أن السامعين يلعنونه، إلا من ألغى شخصيته، وعبد أنانيته، بل إن هذا الناطق ربما يلعن نفسه الأمارة بالسوء التي جرته إلى خسران دينه وكرامته وذلك هو الخسران المبين.
وإذا قيل لقسم آخر من هذا النوع أنت البطل المغوار وسيد الأحرار حُد سيفك واخرج للدفاع عن الوطن والشعب "ينحصر ذلك في رجل واحد ملهم" فهو الشعب وهو الوطن وهو الدستور، وهو الوحدة والأمن والاستقرار كان معكم قبل أن يوجد، وسيكون معكم بعد أن يفقد! سمع هذا المغوار فخرج بأدوات البلطجة القاتلة، فصال وجال وأطار رؤوس الرجال الذين نزهوا أنفسهم عن حمل السلاح في وجه الإخوة حتى لو شهر عليهم السلاح فرجع البلطجي البطل منتصراً، وأخذ أجره غداء وألفين ريال!
هذه الأنواع كلها في حقيقتها ترجع إلى نوع واحد " عبدة المصالح" والأهواء" ((أفرأيت من أتخذ إلهه هواه))..
ولا ينكر أن من هذه الأنواع من أتجه منذ البداية لتأييد الثورة، كانت دوافع هذا النوع من تلك الأنواع أما لركوب الموجة والاتجاه معها وتلويثها وانتظار نهايتها لينجو، بل ربما يصل بها فيقطف الثمرة، وإما بدافع تغليب الظن أن الثورة ستنجح كما التونسية والمصرية قبلها، فأعلن انضمامه إلى الثورة، فلما تأخر النصر رجع إلى جحره فقبل بعد عنا، وإما بدافع القناعة أن التغيير أولى وقد حان موعده وهذا القسم وإن كان واقعاً فيما وقع فيه غيره من تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة في ا لماضي إلا أنه بتوجهه هذا واستمراره قد كفر والله يغفر له.
وقسم آخر أيد الثورة بحكم وجوده في المشترك، لكنه ظل يرقب الثائرين الصادقين وتأثيرهم الكبير، وآثارهم الناصعة، فوصل إلى إقناع نفسه بأن التخذيل والتخريب والتشويه للثورة واجب شيطاني لابد أن يمارسه وفقاً لسيرته الأولى المعادية لكل ما يتصل بالإسلاميين، وهؤلاء أسوأ السيئين على الإطلاق إذ لبسوا جلباب النفاق، فإذا لقوا المؤمنين بالثورة قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، فأخذوا منهم المعونة لأنفسهم، والمؤنة للتخريب في الساحات حتى إن بعضهم وهو ينتمي إلى حزب ثوري أممي لا يؤمن بقداسة النصر، ولا باستبداد الغير خالف حزبه صاحب الرصيد الثوري الكبير فذهب مبايعاً خارج البلاد لمن يقدسون قاتل عمر بن الخطاب، ومن يؤصلون للاستبداد إلى يوم القيامة، فرجع داعياً لأفكار لا يؤمن بها، ولا عرفها أبوه ولا أمه، ولا جده ولا جدته ولا قريته ولا عزلته، ولا دائرة ولا مديريته، ولا محافظته، لكنه عمى العطاء عقلية البسطاء، سيخسر مثل هذا كل الدوائر المحيط به، وحزبه، ورضى ربه.
وهذه هي البشرى التي جعلتها عنواناً ليومنا، فانكشاف الأدعياء على حقيقتهم يجعلهم منبوذين حتى وهم يتمتعون بالمقابل المالي التافه، ويفيضون منه على من يستجيب لهم مؤقتاً.
فلم يبق مع الثورة وللثورة إلا الصادقون المخلصون، الذين تربوا على حب الآخرين وعلى الإيمان بالعدل والحرية والمساواة وحب أهل الإيمان والأوطان والشرفاء الشجعان الذين هم مع الحق والحقيقة لا يتذبذبون، ولا تلهيهم العطايا والإغراءات، فهم الذين قامت عليهم وبهم الثورة وستسير بهم الدولة الرشيدة إن شاء الله..
//////
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ..... 2032