(الشعب يريد إسقاط النظام) شعار ثوري صدحت به أصوات الثائرات والثوار , وجلجلت به حناجر الحرائر والأحرار , في مختلف ساحات الحرية وميادين النضال , أثناء انطلاق شرارة الثورة مطلع العام المنصرم – وبعضها لا يزال إلى اليوم - وفي كافة الأنشطة ومختلف الفعاليات..
(إسقاط النظام ) شعار ثوري رسم على خدود الأطفال وكتب على جدران المنازل وأمتزج برغيف الخبز ووضع على زجاج السيارات , وتزينت به مختلف الساحات , حتى كان يتساءل البعض عند سماعهم لهذا الشعار وهل يوجد لدينا نظام حتى نسقطه ؟ كون النظام هو ما يطلبه اليمنيون في طول البلاد وعرضها وشرقها وغربها .!!
مرت الثورة بمراحلها المختلفة , وأطوارها المتعددة , وظلت بين مد وجزر , يرتفع زخمها حينا ويهبط أحيانا كثيرة , حتى وصلت إلى يوم الأربعاء 21نوفمبر 2011م وهو اليوم الذي وقع فيه صالح على المبادرة الخليجية , فسارع الشباب حينها إلى إعلان الفرح والتباشير بسقوط النظام كما كانوا يقولون , واستمرت الثورة بزخمها المتأرجح بين القوة والضعف حتى جاءت الانتخابات الرئاسية في يوم الثلاثاء 21من فبراير 2012م وهو اليوم الذي راهن كثير من الشباب على دخول الثورة مرحلة جديدة ومنعطف آخر نحو تحقيق أهدف الثورة الشبابية المتمثل بإسقاط النظام كما كان يردد الثوار في مختلف الساحات (الشعب يريد إسقاط النظام).
بغض النظر هل سقط نظام (صالح) كما يقول الكثير من الثوار والسياسيين أم لا ؟ وسواء كان هذا السقوط عبر الثورة أم عبر التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ؟ لكن ما يهمنا بالضبط هو الإجابة على هذا السؤال الذي يطرح نفسه وهو "هل سقوط النظام (كما هو حاصل اليوم) هو التغيير المنشود بحد ذاته الذي يطالب به الشباب في مختلف الساحات والميادين ؟ وهل هو التغيير الحقيقي والفعلي للثورة أم أنه مجرد مرحلة تتبعها مراحل أخرى قد تكون أشد صعوبة من المرحلة السابقة المتمثلة بإسقاط النظام كما كان يطالب به الشباب , كون عملية البناء كما هو معروف أشد من عملية الهدم؟.
باعتقادي الشخصي أن سقوط النظام ليس هو التغيير المنشود الذي نطلبه , كونه يمثل البوابة الرئيسية لعملية التغيير ليس إلا , لأن النظام السابق كان من مهامه الرئيسية التي حرص على تنفيذها خلال فترة حكمة هو العمل على الحيلولة دون إحداث عملية التغيير المنشودة الذي كان الشعب يحاول أن يعمل على تحقيقها من خلال الوسائل الديمقراطية التي كان تتوفر له سواء عبر الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية , والتي عمل النظام السابق على تعطيلها وإفراغها من محتواها والتي كان من نتائج تعطيلها انطلاق شرارة الثورة التي تعتبر الانتخابات وأخواتها من السجل الانتخابي وغيره من احد الأسباب الرئيسية لانطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية , التي تجاوزت بمطالبها تلك المطالب التي ظلت المعارضة تقيم حوار الطرشان لأجلها مع النظام السابق لعدة سنوات ماضية.
وإسقاط النظام الذي ظل الهدف الرئيسي للثورة لا يعني بأي حال من الأحوال أن الثورة قد حققت كافة أهدافها , أو أن عملية التغيير قد تمت بالطريقة المطلوبة , لأن سقوط النظام ليس سوى نزع الشرعية عن النظام الذي خرج الشعب يطالب بإسقاطه فقط , وإحلال شرعية يتوافق عليها جماهير الشعب على حد تعبير المحلل السياسي الأستاذ/ صادق عبدالرزاق العامري , وهي الشرعية التي أعطيت للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي الذي منحه الشعب الثقة في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أجريت في ال21 فبراير الماضي , كما أن إسقاط النظام لا يعني فناء النظام السابق وذهابه من الوجود أو أنه لم يعد له أي وجود على أرض الواقع وهذا ليس صحيحاً، كون النظام ليس موكيت يخلع ويوضع موكيت آخر بديلاً عنه , لأن النظام خلال 33 عاماً كان قد استشرى وجوده وضرب جذوره في أعماق الدولة بوحداتها المختلفة المدنية منها والعسكرية, وعمل على بناء منظومة متكاملة من الفساد والرشوة والمحسوبية , بل عمل على تحويل اليمن إلى أشبه بقنبلة موقوتة قال عنها في أحد خطاباته إنها ( قابلة للانفجار) في وجه كل من يريد التغيير, وهذه الثورة لا تزال تعمل على فكفكة هذه الألغام التي حاول النظام زرعها في مختلف مرافق ومؤسسات الدولة, من أجل ردع الناس عن التغيير وتخويفهم بها.
ولا شك أن الثورة الشبابية التي مضى على انطلاقها أكثر من عام ونصف قد مرت بكثير من المراحل, وهذه المراحل المختلفة والمتنوعة التي تمر بها الثورات عادة تذهب بها نحو الطريق الصحيح لتحقيق كافة أهدافها , لأن كل الثورات تقوم لترفض الظلم والقهر والاستبداد والحرمان والمعاناة, وتنشد الأمن والأمان والاستقرار والعدالة والكرامة, ولن تصل الثورة عادة إلى مرحلة الاستقرار إلا بعد أن يأخذ التغيير مداه الطبيعي بدون حرق لمراحله , كون حرق الثورة لمراحلها التي ينبغي أن تمر بها يؤدي في الغالب إلى هشاشة في بناء النظام الجديد الذي حل بديلاً عن النظام السابق الذي خرج الشعب يطالب بإسقاطه , وهذه الهشاشة التي يبني بها النظام الجديد ذاته تجعله غير قادر على تجسيد مقاصد التغيير بالصورة المطلوبة كما يتمناها الشعب , مما يجعل سلامة التغيير هو جوهر الاستحقاق الثوري , كون الثورة تعني في الأساس الخروج من الوضع الراهن وتغييره إلى الوضع الأفضل وليس العكس , وهو ما ينبغي على الرئيس وحكومة الوفاق تقديمه للمواطنين, وهذا التغيير بحسب رأي كثير من السياسيين لا يتحقق من خلال عزل أركان الحكم السابق من مفاصل الدولة فقط وإنما يتحقق من خلال إعادة ترتيب الأوضاع بما يسمح لعجلة التغيير بالدوران دون معوقات وهذا الأمر لا شك مرهون بخطوتين :
الأولى: تتمثل في بسط نفوذ النظام الجديد وسيران توجيهاته في كافة مفاصل الدولة وهذا ما يطلق عليه (نقل السلطة), والخطوة الثانية : إيقاف عملية التدهور للأوضاع المعيشية للمواطنين في حدود تامين الحد الأدنى لمتطلبات الحياة , ومع استمرار عملية التغيير تندرج عملية تحسين أوضاع المواطنين وصولاً إلى تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وهي التي لا شك تجسد الهدف العظيم لأهداف الثورة, وهو التحدي الحقيقي الذي تواجهه حكومة الوفاق والرئيس عبد ربه منصور هادي على حد سواء, وهو ما يريده الشعب باختصار.
/////////////////////////////////////
ياسر الجابري
ماذا يريد الشعب؟ 2140