رغم أن الحديث الصحيح الجامع المانع قد بيّن بما لا يدع مجالاً للشك ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان أن كل واحد منا راع ومسؤول عما أوكل إليه من مسؤولية وأمانة سواء في الولد أو المال أو مصالح الآخرين، ولكنها الدنيا التي أنست الناس إلا مَن رحم ربي، هذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها.. ثم ذكر الولاة، ثم قال: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .
إن أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته، ولا تزغ فتزيغ رعيتك، وإياك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب وإذا نظرت إلى أمرين أحدهما للآخرة والآخر للدنيا، فإن الآخرة تبقى و الدنيا تفنى .
إن المجتمع خربان والأخلاق متدنية والإجرام منتشر إلخ.. هي عبارات الاستهجان التي يطلقها دعاة الشرف والأخلاق في المجتمع امتعاضاً من الفاسدين والفاسدات أخلاقياً والذي يصل فسادهم الأخلاقي حد الانحطاط والإجرام المنظّم والمدروس بعناية.
لكن من دفع بهم إلى ما وصلوا إليه؟! من سبب إيصالهم لهذه الحالة ؟! من يعزز لديهم ما وصلوا إليه من بداية الطريق أو من وسطها ولم يردعهم إما بكفِّ أيديهم عن السقوط أو بإرجاعهم إلى طريق الإصلاح بوسائل التأهيل المختلفة؟!.
إن المجتمع غالباً ما يصنع المجرم انطلاقاً من البيت وانتهاء من المجتمع الذي يعيش فيه.
فالأب الذي يرسل ابنته أو ابنه إلى جامعة ويقطعهم من المصروف اللازم أليس من واجب الابن أو البنت تحصيل المال ليكملوا ما شرعوا به؟! وبما أن الأب ذاك قطع الإمدادات عن الفتاة التي يعصف بها جنسها الأنثوي إلى لعاب المحترمين أولاد المحترمين فإن أولئك المحترمين سيقومون بدور البديل عن الأب بشكل إجباري للفتاة بالإنفاق والتمويل مقابل........
والابن سيلجأ كما نسمع في الأخبار المجتمعية إما أن يصبح قاطع طريق أو يصبح مروج مخدرات أو سارق.
(انتبهوا فالأبناء والبنات يحتاجون العناية والحنان مهما كبروا ويبحثون عنه ولو في أحضان الغريب، فلا تتركوهم للغريب، فهو غير رحيم).
اللصوص في المجتمع يُنْتَجون من إفرازات ذات المجتمع, فغياب التربية الدينية ووجود حكومات متسلطة تُرزخ الشعب تحت عذاب الفقر, والبطالة والطلاق الذي يفكك ويساعد في تغذية الإجرام خصوصاً لدى أبناء المطلّقين, وضعف سياسات بديلة لوضع حد للسرقة كتفعيل قوانين العقوبات وإيجاد فرص عمل ومساعدات عاجلة (يعني بدل ما يسرقوها) اللصوص الكبار أعطوا للصغار بما يسد الرمق وترتاحوا من ارتفاع مقلق للجريمة ونسبتها.
ثم يأتي تعزيز لتلك الجريمة حيث تصبح نظرة المجتمع لهؤلاء نظرة التوبيخ والإقصاء والوصف بالإجرام مما يتعزز ويترسخ لدى المجرم ضرورة استمراره بما هو متعارف عليه من صفات في مجتمعه قد وُسم بها إلى الأبد أو الدفع نحو الفتيات مدمنات الجنس والنصب والدخان والممنوعات بأنواعها نحو الاستمرار بأزمة الأخلاق تلك ,ويا عيني على هؤلاء المجرمين ذكوراً وإناثاً عندما يكثر عددهم ويصبحون آباءً وأمهات وينجبون أبناء المجرمين والمجرمات ـ وخذ لك هالجيل اللي سوف ينتجوه كيف ممكن أن يكون!!.
(كل هذه أمثلة تعتبر غيضاً من فيض، ولكن للتوضيح وإيصال الفكرة بالأمثلة تلك المقترحة من الواقع).
أنا أقول إن صانع الإجرام هو الوالد أو الوالدة أو الأخ أو الأخت أو كلهم مجموعون فقد نسينا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وربما يشاركهم مالكو الإعلام بما ينشرون من ثقافات أو الحكومات بما تمارس من تقصير شديد, يصنع ذلك كله إجراماً لا حدّ له وبعدها يغذيه ويعززه, وبنفس الوقت يناشد مدعو الفضيلة ومتصنعو الدفاع عن الأخلاق بوضع حد لمظاهر الجريمة بكافة الأشكال ونسينا أننا من صنعناهم وضيعناهم وغذيناهم بالإجرام "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
آن الأوان لنوقف صناعة المجرمين باتخاذ كل مؤسسة أو كل فرد حسب موقع كل منا دوره والوقوف أمام مسؤولياته لإعادة أيضاً من ذهب في مسلك الضياع والتيه، فالله الله، فإن البقاء قليل، والخطب خطير، والدنيا هالكة، وهالك من فيها، والآخرة هي دار القرار.
فلا تلق الله غداً وأنت سالك سبيل المعتدين، فإن ديان يوم الدين إنما يدين العباد بأعمالهم ولا يدنيهم بمنازلهم، وقد حذرك الله فاحدر، فإنك لم تخلق عبثاً، ولن تترك سدى، وإن الله سائلك عما أنت فيه.
رائد محمد سيف
نحن من نصنع المجرمين!! 3975