يثور جدل كبير وخلاف شديد بين أفراد المجتمع ومثقفيه حول دور المحامين في الإسهام بسرعة البت في القضايا؟ وماذا يمكن أن يقدمه المحامي من دور مساعد للنيابة والمحكمة ويمكنهما من انجاز القضايا في أسرع وقت ؟وما هي المقترحات التي يمكن أن يقدمها المحامون بحيث تمكن المحاكم والنيابة من تحقيق العدالة للمواطن في اقصر مدة ممكنة؟.
وللإجابة على هذه التساؤلات يرى الكثيرون أن المجتمعات البشرية أصبحت اليوم تسير في اتجاه لا يسمح للترافع في الدعوى إلا لشريحة واحدة هم المحامون حصراً ذلك أن الإجراءات أصبحت معقدة لا يستطيع القيام بها غير المحامين في مواجهة الخصوم بل انه لمن العيب ترك الأفراد العاديين يتولون أمور التقاضي بأنفسهم وهم لا يفهمون طبيعة الدفوع الشكلية والموضوعية ؟ولا كيفية تقديمها؟ولا متى ؟ فلا ينتبهون إلا وقد خسروا الدعوى بسبب عدم مراعاة الوضع القانوني الذي يوجبه نص خاص.
وقد أثبتت التجربة الإنسانية أن النظام القانوني في كل دولة بحاجة ماسة إلى المحاماة لتسهيل الإجراءات والوصول إلى تحقيق العدالة في اقرب وقت وهذه التساؤلات الوجيهة نرد عليها بثلاثة محاور (أولها) فيما يتعلق بدور المحامين بالإسهام في سرعة البت في القضايا، فالمعلوم أن للمحامين دوراً بارزاً وفعالاً في تحقيق العدالة من حيث أن القاضي والمحامي أخوان شقيقان أنجبتهما كلية الشريعة والقانون أو كلية الحقوق وهما في نفس الوقت وجهان لعملة واحدة وهي العدالة ويتبادلان الأدوار فيما بينهما فهناك الكثير من المحامين أصبحوا قضاة وأيضا كثير من القضاة كانوا محامين وإذا كان تحقيق العدالة مرهوناً بتعاونهم معاً فإن القضايا التي يترافع فيها محامون تكون هي الأسرع في البت من غيرها من القضايا الأخرى التي لا يترافع فيها محامون وذلك لعدة أسباب منها أن المحامين متخصصون في القوانين واللوائح ومطلعون على بقية العلوم والمعارف كعلم اللغة والطب الشرعي والفلسفة والاجتماع فيساهم المحامي في سرعة البت في القضايا من خلال رفع الدعوى مستوفية لجميع شروطها الشكلية والموضوعية فلا يكون أمام المدعى عليه إلا الرد عليها مباشرة والدخول في موضوعها فلا يترك فرصة للخصم أو محاميه بتقديم دفوع شكلية بسبب الجهالة وعدم استيفاء البيانات وشروط الصحة وذلك بعكس ما إذا كان المترافع غير محامي فيقدم دعوى مجهولة فيدفع الخصم بالجهالة وتظل المحكمة جلسات متتالية تنظر في الشكل وتستكمل إجراءات التصحيح والفصل في الدفوع الشكلية لان المحكمة ملزمة بعدم الدخول في الموضوع إلا بعد استيفاء الدعوى بشروطها الشكلية وذلك يؤثر سلباً في تحقيق العدالة ناهيك أن المحامي يدرس القضية ابتداء فلا يأخذها إذا كانت خاسرة كما انه لا يمكن أن يضيع وقت المحكمة فيما لا يفيد فما كان من الأدلة مفيداً في إثبات الدعوى أو نفيها قدمه وما لا فائدة منه تركه لاسيما وان المحامي يحرص أن ينال في مهنته الاحترام الذي يناله القضاة والمدعون العامون وان يسلك سلوكاً يليق بمهنة المحاماة .
ثانياً: أما بالنسبة للرد على التساؤل الثاني فأود أن الفت عنايتكم أن المحاماة وعبر التاريخ قد وُجِدت لضمان تعادل كفتي الخصومة وتحقيق العدالة في اقرب وقت لاسيما وان المحامين يعلمون أن العدالة ببطء من اشد أنواع الظلم ولذلك فهم يبذلون جهداً كبيرا في مساعدة النيابة والمحكمة في انجاز القضايا بأسرع وقت وقد سمّاهم القانون مساعدو القضاء والحقيقة أنهم اكبر من هذه التسمية . وأفضل وصفاً أطلق عليهم هو ( القضاء الواقف) وذلك ما أكده احد القضاة وهو القاضي فؤاد البكير رئيس الشعبة الاستئنافية التجارية في محافظة تعز حالياً بقصيدة شعرية شارك فيها في احد مؤتمرات المحامين في العاصمة صنعاء حيث قال :
سيّان من يرسي العدالة جالساً
أو قائماً فجميعهم صنواني
وجهان للإنصاف ليس سواهما
قاضي المنصة والمحامي الثاني
فالمحامي يحضر أمام النيابة مع موكله وذلك بعد أن يكون قد عرف وقائع القضية وأحوالها وظروفها وأدلتها وعما إذا كانت جسيمة أو غير جسيم ويعرف المدة المحددة لقاضي التحقيق في بقاء القضية لديه فيعمل المحامي على التعامل الجاد في تقديم ما لدى موكله من أدلة أو عرائض دفاع أو دفوع وعلى ضوء ذلك تتصرف النيابة في القضية بأقرب وقت ممكن والفضل في ذلك يعود لتعاون المحامي في سرعة تحقيق العدالة وانجاز القضايا ناهيك أن المحامي يراقب إجراءات التقاضي أمام النيابة والمحكمة فيعمل على عدم الإطالة في التقاضي ويسعى إلى تطبيق القانون وبالنسبة للمواعيد التي قد يطلبها الخصوم فيضيق على المحكمة بعدم قبول أي طلب فيه مماطلة أو إطالة أو مخالفة للقانون كما يطلب من المحكمة إعمال المادة (163) مرافعات المتضمنة عدم جواز تأجيل الجلسة لسبب واحد أكثر من مرة هذا فضلا أن المحامي يجيد البلاغة والمنطق والحصافة في الرد بالجلسة دون طلب التأجيل إلى جلسة أخرى وهذا كله يساعد في انجاز القضايا في أسرع وقت ممكن .
ثالثاً: وفيما يتعلق بالمقترحات التي تخدم تحقيق العدالة للمواطن في اقصر مدة ممكنه فهي عديدة ومنها :-
1) تفعيل دور التفتيش القضائي في وزارة العدل والنيابة العامة لأنه من أهم الأجهزة الرقابية على أعضاء السلطة القضائية التي لو فُعّلت لأثمرت ثمارها الطيبة في تحقيق العدالة السريعة المطلوبة لأن الملاحظ غياب دوره المطلوب في الفترة السابقة ولذلك تكدست القضايا لشهور في النيابات دون التصرف فيها من قبل بعض الأعضاء وتراكمت لسنوات في المحاكم دون البت فيها من قبل بعض القضاة، وهذا الأمر جعل المتقاضين يشعرون بخيبة أمل في اللجوء إلى القضاء.
2) النزول المفاجئ لأعضاء التفتيش إلى النيابة والمحاكم لمعرفة من الذي أنجز قضاياه بسرعة واعني بالنزول المفاجئ الذي لم يسبقه علم أعضاء السلطة القضائية بنزول أعضاء التفتيش وان لا يقتصر على تفتيش السجلات فحسب، بل يشمل الاطلاع على الملفات والالتزام بالدوام الرسمي والحضور من أوله وأيضا حضور الجلسات وكيفية إدارتها فيكون له ثماره ودوره المطلوب هذا، بالإضافة إلى تطبيق مبدأ الثواب والعقاب على ضوء التفتيش فمن أحسن في انجاز عمله بسرعة كوفئ بإعطاء الدرجة الرفيعة التي يستحقها والتي تؤهله وترفع من شانه وأيضا يتم تعيينه في الموقع الذي يستحقه في سلم العمل القضائي فيوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
3) قيام المفتشين أثناء نزولهم الميداني باستطلاع رأي بعض المحامين والمتقاضين المنصفين عن أداء القضاة ونشاطهم وكفاءتهم ونزاهتهم ومقارنة الآراء بما لمسوه من خلال التفتيش على الأعمال.
4) توجيه المفتشين بعدم قبول استضافتهم من قبل القضاة وأعضاء النيابة لما لذلك من سلبيات ونتائج غير حميدة.
5) منح جائزة سنوية تسمى جائزة القاضي أو عضو النيابة المتميز تكون عبارة عن درع يُمنح للمتميز بدماثة أخلاقه وحسن تعامله واحترامه لزملائه وللمحامين والمتميز كذلك بذكائه وحكمته وحرصه على تحقيق العدالة وسرعة انجاز القضايا فهذه الجائزة فيها قدر كبير للتسابق بين القضاة وأعضاء النيابة على التميز والإبداع.
أحمد محمد نعمان
رِسَالَةُ القَاضِي وَالمُحَامِي وَاحِدة 2280