ما حدث في الأيام الماضية من ردود أفعال غاضبة تجاه الإساءة للرحمة المهداة نبي المحبة والسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أمر يتفهمه الجميع، ولكنه بالمقابل يضع جملة من التساؤلات المشروعة تجاه ردود تلك الأفعال التي خرجت عن إطارها السلمي ، فهل إحراق السفارات والاعتداءات عليها هو من صميم الدفاع عن رسولنا؟ وهل تصاعد وتيرة ردود الأفعال بقوة حتى ذهب ضحيتها قتلى وجرحى هو أمر مقبول لدى من يدعي نصرة الحبيب؟ وهل نسينا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (لهدم الكعبة حجراً حجـراً أهون عند الله من إراقة دم مسلم ) فكيف يتصور هؤلاء المحتجون بأنهم يدافعون عن الرسول الأكرم ؟ وهم يتسببون بذهاب أرواح بريئة وكذا يتسببون بتشرد أسر جراء فقدانها لمن يهولها!.
يا هؤلاء المصطفى عليه الصلاة والسلام تعرض للسب والشتم والاعتداء وهو في طريقه إلى الطائف وبعد ذلك قال: اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون ، فليقارن هؤلاء بين هذا الموقف وبين من يتعمد الإساءة للنبي محمد ، وبكل تأكيد الفرق واضح وجلي بين الإساءة له جسديا ومعنويا وبين ما يُساء له اليوم ، وما تصرف عليه الصلاة والسلام سوى بأرقى أنواع التعامل الحضاري والأخلاقي ، ومع ذلك لست مع الإساءة لدين الله وأنبيائه ، معاذ الله لكن على الجميع أن يعي ويعبر بسلوك حضاري راقي ولا يمنع أحد من التعبير عن استنكاره وغضبه بالخروج بمسيرات سلمية لا يكون شعارها أو في ثناياها الاعتداء والنهب والحرق..
للأسف الشديد أسأنا لنبينا ورسالته بمثل تلك التصرفات ، وحقق مخرج الفيلم المسيء للرسول الأكرم ما يريد ، فهو يريد أن يقول للعالم هذا هو محمد وأتباعه بمثل هكذا تصرفات والنبي الأكرم وتعاليمه براءة من كل تلك الردود والتصرفات، من أراد نصرة الحبيب محمد فليبدأ من نفسه ومجتمعه والبيئة المحيطة به أيها الشباب ولنبعث للآخرين تعاليم ديننا وقيمنا كسلوك حضاري ، نتحلى به ممارسة عمليه ، وقدوة بين الناس.
يا هؤلاء: الاستبداد وتبعاته تسيء إلى الإسلام روحاً ومعنى منذ زمن عتيق ، والكثير من أبناء الإسلام راضون ومتماهون في صناعة المستبدين.... يا بني جلدتنا: لم يعد بين أظهرنا من الإسلام سوى اسمه ولربما قوالب مجمدة وشكليات وطقوس محددة بعيدة عن قيم الدين وسماحته العظمى، يا هؤلاء الدم العربي ينزف في فلسطين منذ عقود ولا زال ...
الدم العربي سال في شوارع المدن العربية لمجرد أن أفواه شبابها هتفت للحرية والعدالة والعيش الكريم...
وما يبعث على الأسى وتتقطع له الأكباد أن الدم السوري لا يزال مهراقاً ونهراً دفاقاً حتى اللحظة وأعداد الشهداء كل يوم بازدياد والشعوب العربية والإسلامية لم تحرك ساكن، فأيهما أولى بالانتفاضة أن تنتفض الشعوب من أجل فيلم أم من أجل شعب!!!
لازلت معتقدا بأن شيئا ما يراد له ، من خلال التوقيت والإساءة ، خطة تريد أن تلهينا عن هدفنا في الحرية وبناء دولة العدالة والنظام والقانون ، خصوصا وأن الربيع العربي تحاك ضده كل المؤامرات والخطط التي فشل البعض منها ، بينما لايزال البعض في طريقه للتنفيذ...
والغريب مما جرى ولازال هو ردود وبيانات كل القوى السياسية الصغيرة والكبيرة تجاه تلك الأحداث الغاضبة كونها ارتبطت بالسفارة الأمريكية والمؤسف أننا كعرب لا زلنا من يدفع الثمن سواء كانت الأحداث في بلداننا أم في بلدان الغرب، يؤسفني أن يكون قادة الدول العربية هم أول من يعتذرون لأمريكا.......
لو أن عشرات بل المئات من المسلمين أو العرب قتلوا عن طريق الأمريكان أو غيرهم لم يلتفت إليهم أحد ، ولم ولن نسمع باعتذار أمريكي أو أوروبي.. فأمريكا قتلت مليون ونصف المليون في العراق ولم تعتذر لأحد!!!! وليس هذا الكلام تبريراً لإحراق السفارة أو نهبها أو قتل الآخرين... لكن علينا أن نتعامل مع الأحداث بمسؤولية وعقلانية دونما مبالغة عاليه وعلينا في المقام الآخر أن نتفهم بأنه لو أن أحد المسلمين أساء إلى دياناتهم أو شكك في المحرقة لأقاموا الدنيا وأقعدوها ، لكن المسألة حينما تتعلق بنبينا فهي حرية الرأي والتعبير ، وهذا التبرير يبقى غير ذي جدوى أو مقنعاً للبعض ممن يتخذ من مثل هذه الأحداث وسيلة لتحقيق مآربه ، أو الصيد في المياه العكرة، وعلى كل فإننا نأمل من الأمريكان أو الأوربيين أن يضعوا حداً لمثل هكذا إساءات وعلينا كعرب ومسلمين أن ننصر نبينا بالالتزام السلوكي لقيم الدين ونتخلص من الاستبداد ونعبر عن آراءنا بالطرق الحضارية والسلمية فمهما كانت الوسائل الغاضبة إلا أنها تسيء لديننا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
محمود الحمزي
ما هكذا ننتصر لنبينا وديننا!! 1941