الطب في وطننا لم يعد مهنة إنسانية بعدما فقد الإنسان كرامته وأصبح رقماً في قائمة الحسابات المالية، مشهد شاب تخرج من كلية الطب، يسعى لأن يتحصل على مقر ليتخذه محل فحص للمرضى، يستشرق مستقبله من خلال حسابات مادية ومالية لينمي ثروته، فيسعى ليستقبل أكبر عدد ممكن من المرضى، فترى كل يوم كتلة بشرية داخل قاعة الانتظار، شاحبي الوجوه ينظرون إلى اللاشيء، يجملون رقماً يرتب أماكنهم، فكلما دخلت إلى إحدى العيادات الخاصة أو المستشفيات يلفت نظري مندوبون لشركات الأدوية وما أكثر هؤلاء المندوبين الذين يزاحمون المرضى في الدخول إلى العيادة بحقائبهم الأنيقة لا لشيء إلا ليعقدوا صفقه وليحولوا طبيبك أو طبيبتك التي تراجع لديه أو لديها إلى مسوقين لتلك الأصناف من الأدوية التي تم الإنفاق على تسويقها لك، فالمهم هو الربح والعمولات وليس صحتك أيها المريض المسكين.
فكم من مريض تم تغيير علاجه بحجة أن الدواء الذي اقترحه الطبيب أو الطبيبة أفضل وأن السبب من المرض هو الدواء السابق وكل طبيب يذهب إليه هذا المريض المسكين يغير له الدواء بحسب الشركة التي تم إنفاقه معها وكم من طبيب غير الأدوية التي صرفتها قبل يوم أو في نفس اليوم من زميل له إلى أدوية جديدة ليس لضرورة حالتك المرضية، ولكن لزيادة العمولة وهذه هي المشكلة أن يصبح الأطباء مندوبي مبيعات ومسوقين وليسوا أطباء تناسوا أن الطب هي رسالة إنسانية وقيم أخلاقية.
حدثني أحد الأصدقاء والذي يعمل في مجال بيع الأدوية، عندما ذهبت إليه لشراء علاج فعرض علي علاجاً بثمن مرتفع والآخر بثمن أقل منه رغم أن العلاجان من نفس الشركة وبنفس الاسم والتركيبة الطبية، فسألته عن السبب، فاخبرني عن العلاج الأقل سعراً هو عينة مجانية تصرف للطبيب من قبل مندوبي شركات الأدوية الذي يقوم بدوره ببيعها لهم، فسألته عن طبيعة عمل المندوبين، فقام بشرح التفصيلات لي أولاً عن طبيعة عملهم الذي أصابني بالذهول عن الكيفية التي يتم فيها تصريف الأدوية، وبدأت أطرح الأسئلة عليه ويدفعني فضولي لمعرفة ماذا يُفعَلُ بالمواطنين المساكين اليوم في ظل غياب الرقابة الحكومية وسكوت وزارة الصحة تحديداً عما يدور في كواليس المهنة الإنسانية التي أصبحت في اليمن الجديد مهنة اللاإنسانية والتجارة بصحة الملايين من هذا الشعب الذي لا يعرف من أين يجدها، هل من الأطباء؟ أو من الكهرباء ؟ أو من انهيار الأمن العام؟، أو من البطالة؟، لا أريد أن أطيل عليكم سأروي لكم ما يحدث بين شركات تجارة الأدوية وبين الأطباء اليوم، والكلام منقول من ثقة وليس من عندي:
تقوم الشركة المصنعة والمنتجة والموزعة للأدوية بتوظيف مجموعة من الوكلاء والمندوبين الذين لديهم خبرة في تسويق المنتج من الأدوية، وطبعاً راتب الواحد منهم على التصريف، أي حسب كفائتة بتسويق المنتج... وهو بالتأكيد يبحث عن تسويق سريع لبيع المنتج لكسب أكثر ربح مادي، فيتجه مُسرعاً إلى أصحاب ((الذمم)) – بل قل فاقدي الذمم!!! وهم بعض أطباء اليمن الجديد ((الشرفاء )) الذين يملكون بين أيديهم أرواح الملايين من الناس البسطاء الذين وثقوا بهم وسلموا أمر صحتهم بأيديهم، لكي يتاجروا بهم أيما تجارة.... فيكون الاتفاق كالتالي إذا استطاع الطبيب تسويق (على سبيل المثال) ألفي علبة دواء من نوع معين فالشركة المصنعة سوف تمنحه تذكرة ومصاريف سفر سياحي له ولعائلته إلى أي دولة مجانية أو نسبة مالية من إجمالي البيع وذلك لقاء دهائه ومكره في تسويق المنتج، فيقوم الطبيب بكتابة هذا النوع من الأدوية مع كل وصفة لأي مرض مهما كان!!! ((حتى يمّشي أكبر عدد)) ليربح السفر المجاني، وأكرر المجاني كونه استطاع بذكائه الثعلبي أن يسوّق المنتج عن طريق الاتفاق مع الصيدلية التي لها اتفاق مسبق معه وله نسبة مما تبيع، ويقوم الصيدلاني بتجهيز هذا النوع من الأدوية حصرياً لهذه الشركة كي لا يفقد الزبائن المرسلين من حضرة الدكتور له..
وهكذا يشهد اليمن الجديد حوتاً جديداً من حيتان الفساد، التي نراها ونسمع عنها في مجال السياسة، وليضاف بعض الأطباء إلى قائمة الفاسدين والمُتاجرين بحياة الأبرياء، ويبقى المتضرر الوحيد هو الشعب، فهنيئاً لكم يا حيتان اليمن الجدد.. يا أصحاب المهنة الإنسانية يا من أقسمتم يوم تخرجكم (قسم الشرف الطبي)، وحولتم الطب بجشعكم إلى مهنة لا إنسانية، أحييكم على شرفكم المُدنس بأمراض المساكين الأبرياء من الشعب الذين تخدعونهم.. وشكراً لكم يا صيادلة هذا الوطن المُهذبين بأخلاقكم المهنية الراقية حين تقبلون ببيع وشراء الذمم والضمائر.. ولكن هل فكرتم بيوم الحساب؟ وماذا ستقولون لربكم؟ للأسف أضحى الطب عندنا مهنة أقرب إلى التجارة منها إلى خدمة الإنسانية، أيها الأطباء،،،، لا تنزعجوا من الحديث، إنها القاعدة لكن يوجد الإستثناء الذي بدوره يثبت القاعدة !!
رائد محمد سيف
أطباء أم تجار أدوية؟! 2164