على أي حال فإن للقضاء المستعجل شأن كبير أمام القضاء العادي حيث أن الأول يحافظ على الحقوق الظاهرة للخصوم وينبه هؤلاء إلى مراكزهم القانونية الصحيحة وإلى وضعياتهم السليمة إلى أن يتم الفصل في الموضوع، وتفعيل القضاء المستعجل لدى المحاكم وإصدار أحكام فيه تنفذ فور صدورها قد يغني عن رفع الدعوى موضوعاً لأن معظم المعتدين أو المتعرضين ليسوا أصحاب حقوق شرعية فبمجرد حماية المحكمة لطالبيها يصبح الحكم أحياناً نهائياً والمحكوم عليه يكتفي بذلك. ونتيجة لذلك تقل القضايا الواردة إلى المحاكم وتخفف المحاكم على نفسها وعلى المتقاضين من ضغط القضايا ومن العناء والتعب.
ولو بحثنا عن أهم أسباب ازدحام القضايا بالمحاكم وانتشار الظلم وازدياد الجور وإضاعة الحقوق وتوسع الجريمة وتطورها لوجدنا أن سبب ذلك يعود إلى عدم احترام بعض القضاة مع تقديرنا لهم لقانون المرافعات وبالأخص النصوص المتعلقة بالقضاء المستعجل و(الأوامر على العرائض) وقد ذكرت المادة (240) مرافعات سبع حالات اعتبرتها من المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت وهي طلب سماع شاهد مع عدم المساس بحق المدعي في استصدار أمر بمنعه من السفر إذا اقتضى الأمر ذلك وطلب استرداد الحيازة وطلب إثبات الحالة –وطلبات بيع الأموال القابلة للتلف أو الإذن به وطلب فرض الحراسة القضائية –وطلب الأمر بنفقة مؤقتة وطلب منع التعرض المادي وإزالة العدوان .
ويفهم من نص المادة المذكورة أن المسائل السبع المذكورة حصرا فيها ليست هي كامل المسائل المستعجلة وإنما جزء منها لان هناك مسائل مستعجلة أخرى بطبيعتها يدركها القضاة وإن لم تذكر في نصوص القانون ذلك أن ابتداء النص بالقول (يعتبر من المسائل المستعجلة ) فحرف (من) يستخدم للتبعيض وهو ما يعني أن السبع المسائل بعض من كل وليست الكل.
وعلى كل حال فالمتقاضون هم أحوج ما يكون إلى تفعيل المسائل المستعجلة وحمايتها من قبل المحاكم والقضاة .فالقضاء المستعجل هو نظام الإسعاف القانوني الذي يقي المراكز القانونية من المصائب والأخطار التي يمكن أن تهددها من جراء إتباع طريق التقاضي العادي –وكما أن حياة الإنسان ساعة الخطر تكون رهناً بسرعة نجدته فإن كثيراً ما يتوقف نفاذ المركز القانوني على التعجيل بحمايته القضائية.
فلو حضرت كمستمع إلى قاعة الجلسات في بعض المحاكم واستمعت لإجراءات بعض القضاة لوجدت أنهم يسيرون في نظر القضايا المستعجلة بإجراءات نظر القضايا العادية رغم أن القانون قد حدد نظرها والفصل فيها خلال أربع وعشرين ساعة بَيْدَ أن المحكمة تسير في نظرها أربعة وعشرين شهرا وقد تنقص المدة أو تزيد وخلال هذه المدة الطويلة قد تضيع الحقوق وتتغير المراكز القانونية ويصبح من الصعب رفع اليد العارضة المحكوم عليها من محل الدعوى إلا بقوة جبارة لا يستطيع المحكوم له إيجادها إلا إذا كان غنيا أما إذا كان فقيرا أو ضعيفا فسيرتفع الضغط لديه ويصاب بمرض السكر أو بسكتة قلبية أو بذبحة صدرية والله لا تخفى عليه خافية والبر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان .
أحمد محمد نعمان
وَاقِعُ القَضَاءِ المُسْتَعْجَلِ فِي اليَمَن(2-2) 5413