لأني لم أعد أحتمل تلك الحماقات التي تُمارس بمنهجية لتدمير وطن، ربما بالرحيل سأجد وطناً يتسع لأحلامي المبعثرة على رصيف الانتظار الذي جعلني شاخصة بوجه الأمل لسنوات طويلة أرتجي فيها الأفضل الموعود الذي أتى محملاً بالتخلف والجهل الذي يشهر سيفه بوجه كل شيء جميل، فلعلي بالرحيل سأجد وطناً يعشق ساكنوه الجمال ولا يشوهوه بتلك الأرواح القبيحة التي تجيد صناعة التناقضات في كل شيء حتى في الأشياء البديهية التي لا يختلف عليها اثنان،,, انتزعت روحي قهراً عندما رأيت ذلك السواد يغطي ملامح الفن وريشه تخفي في تقاسيمها عنوان الفن الذي ترتاده أرواح تعشق ألوان الحياة التي ارتسمت على جدران قلوبنا وأنعشت فيها حيوية السير في شوارع كنا نمشي بين أزقتها برؤوس منكوسة نحاور الأرض بتذمر، متى سينتهي المشوار وبعد أن رفعنا رؤوسنا ورافقتنا الإبتسامة حين نتجول في شوارع ارتسمت على جدرانها ألوان تنعش إنسانيتنا التي فقدناها بين ركام تخلف أمراض النفوس الذين اعتادوا القُبح، فألفته أرواحهم التي تشبههم تماماً، فحاولوا تشويه معالم الجمال ومحو أثاره، رافعين شعار لن ندع أي شيء جميل يستوطن الأرض..
بأي المصطلحات سأصف هؤلاء وبأي العبارات أستنكر فعلهم وبأي لغة سأعتذر لهاشم الفنان الذي ناضل بريشته لإيصال الجمال إلى قلوبنا ولكنه لم يكن يعلم بأن نضاله لن يغزو تلك الأرواح التي تعشق القُبح،،،سأرحل لأني لم أجد في وطني تلك المدنية التي دفعنا ثمنها سلفاً دماءً وأرواحاً ولم نحصد إلا الواقع نفسه بل ربما يكون أسوأ.. أي مدنية والسلاح يزداد انتشاراً بين أوساط المجتمع كباراً وصغاراً والمظاهر المسلحة تكسو جسد الوطن.. أي مدنية يسقط فيها اثنان وثلاثون قتيلاً من جراء العبث بالسلاح في شهر واحد.. أي مدنية والقانون مازال بين خيارين الإلزام والترك للمسئول وخيار الإلزام وحده يواجه المواطن المسكين.. أي مدنية ومازالت الرشوة والوساطة هي من تعين الرجل المش مناسب في المكان الذي لا يستحقه بمعيارين لا يؤمنان بالكفاءة..
سأرحل ولكن ليس خارج حدود وطني وإنما سأصنع بداخلي وطناً أتمناه، فلابد أن أبدأ بتغيير ذاتي أولاً، فلنرحل جميعا إلى وطن نصنعه نحن بأحلامنا وبطموحنا وأمالنا بصورة المستقبل المشرق والغد الأفضل لنكتشف حين نغير أنفسنا بأن بداخل كل واحد منا وطن جميل ملامحه الرقي والتقدم والحضارة شاركنا كلنا بصنعه عندما آمنا بأنه، لابد أن نتغير نهجر أفكارنا المتخلفة وعاداتنا السيئة لنرمي بكل قطعة سلاح بمقبرة التخلف ولنطهر أرواحنا من القبح ونجعلها تستوعب كل شيء جميل ولنعشق الحرية بلونها الأبيض ولا نجعل الطائفية والمذهبية والحزبية تدنس نقائها،، فلنعزم الرحيل..
بقايا وطن:
يتسابقون مع جروحنا للوصول إلى متاهات قذرة تصنعها سياستهم ولا نستطيع الخروج إلى كرامتنا المُحاصرة بهم،.. يرددون الموت بوجه صمودنا ونحن نردد الحُرية لوطننا المعتقل في سجون مصالحهم.
نعائم شائف عون الخليدي
سأرحل!! ...... 2173