تتوقف أبواق الإعلام والدوائر السياسية بالغرب يوماً عن شن حملات عدائية ضد الإسلام والمسلمين وتوجيه اتهامات لهم بالإرهاب والتعصب والتخلف ورفض الآخر... الخ هذه الأوصاف المستهلكة، وذلك خدمة لأهداف مسمومة وتشويه الوجه الإنساني والحضاري للإسلام والمسلمين. لكن المتابع للأحداث سيتأكد بما لا يدع مجالاً للشك زيف هذه الادعاءات، بل سيكتشف أن هذه الأوصاف نفسها تنطبق على كيانات غربية غير قليلة، ولعل هذا ما أميط عنه اللثام مؤخراً ضمن حملات الاستهزاء المقصودة برسول الإسلام محمد "صلى الله عليه وسلم"، والتي دأبت على شنها دول تزعم بأنها واحة الديمقراطية والتحضر ورعاية حقوق الإنسان والدولة العصرية، لكن ما بدى منها كشف أنها أبعد ما تكون عن هذه أو تلك عن مبادئ الحرية وغيرها من العبارات الرنانة التي لا وجود لها على الأرض هم أبعد ما يكونون عن كل ما يتشدقون به، كما تثير هذه المواقف عدة تساؤلات من بينها، هل يرى الغرب وأمريكا أن الاستهزاء بالأديان يعد من قبيل حرية التعبير عن الرأي أم أنه من باب رفض الآخر ـ وهي من أولى أبجديات الديمقراطية ـ وهل يهدفون من نشر رسوم تسخر من رسول الإسلام لترسيخ قواعد السلام الدولي أم أنهم أرادوا جلب الدمار والحرب على العالم.
وهل المطلوب من المسلمين عند مطالعة هذه المواد المسيئة الاكتفاء بمصمصة الشفاة والعض على النواجذ وترديد عبارات الاستغفار أم أن الهدف هو جرجرة العالم الإسلامي للرد على البذاءات بالمثل وبالتالي تنفجر براكين الغضب وينخرط العالم في حرب دينية لا يعلم مداها أحد، وهذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، والمتابع لممارسات حملات "الإرهاب العقائدي" و الاضطهاد العنصري سيكتشف أنها لا تخرج إلا من "واحات الديمقراطية" في الغرب وأمريكا، وخير شاهد على هذا المجازر الإجرامية التي ارتكبت على مدار السنوات الماضية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك والبلقان وسط سكوت بل وحماية عنصرية كارهة للإسلام والمسلمين، بخلاف قوانين منع المحجبات من دخول مقار العمل أو في المدارس . كذلك فلم تمتد يد مسلمة بسوء لممارسة ذات الإرهاب الفكري الذي ترعاه تلك الديمقراطيات، بل على العكس يحتضن الإسلام باقي الديانات ويحترمها ويكفل حماية معتنقيها ويمنع أي سوء يحاول المساس بأمنهم، فهل سمعنا يوما عن رسوم مسيئة للمسيح مثلاً، أو التشكيك في عفة العذراء مريم، الواقع خلاف ذلك تماماً، فالإسلام أكثر من تعامل بتبجيل وتقديس لرموز تلك الديانات حتى قيل أن مكانة السيدة مريم في الإسلام أكبر كثيراً مما تحدث عنه الإنجيل . ولعل سماحة الإسلام هذه واعترافه بالآخر هي ما دعت الكاتب الأمريكي مايكل هارت في مقدمة كتابه العظماء مائة لاختيار رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على رأس قائمة الخالدين حيث يقول في كتابه عظماء العالم : "إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته، ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". وقد عرف عنه أنه ما ضرب أحداً قط، وما شتم أحداً قط، وما ضرب امرأة قط، وما غدر قط، وما كذب قط، وما أخلف وعداً قط، وما انتقم لنفسه قط . وقد قالت عنه زوجته السيدة عائشة : "لقد كان خلقه القرآن". ومجمع مكارم الأخلاق مع الله تعالى ومع عباده قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أكرموا الله أن يرى منكم ما نهاكم عنه." وهو ألا يراك سبحانه حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك. والأمر الذي يبعث العبد على الحياء من الله تعالى هو أن يعلم أن الله على كل شيء رقيب وعلى كل شيء شهيد، وهو قوله تعالى " ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب " (سورة التوبة – الآية رقم 78)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان : "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". وقد أوصى عليه الصلاة والسلام بالكثير من الأخلاق الرفيعة في معظم أحاديثه ومنها الأمثلة التالية: 1– محاسبة النفس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم "هذا يعنى أن الغافل الذي يريد نجاة نفسه من جميع المهالك إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور قولاً أو فعلاً فليعلم أن الله تعالى لابد أن يوقفه بين يديه ويسأله عن ذلك الأمر، فليعد الجواب لسؤال الحق تعالى قبل أن يدخل في ذلك الأمر . فإن رأى الجواب صواباً أو سداداً يرتضيه الحق تبارك وتعالى، فليدخل في ذلك الأمر فعاقبته محمودة في الدنيا والآخرة . أما إن رأى أن ذلك الجواب لا يقبله المولى عز وجل ولا يرتضيه فليشرد عن ذلك . وهذا هو أساس الأعمال والأقوال في الإسلام.
2 - الرفق في القول والفعل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أهل الجنة كل هين لين سهل قريب، وأهل النار كل شديد قبعتري، قالوا: وما القبعتري يا رسول الله؟ قال: الشديد على الأهل الشديد على الصاحب الشديد على العشيرة"، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "وقولوا للناس حسناً" (أي لا قبحاً) . وقال أيضاً :" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" كما قال الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" (سورة الحجرات – الآية رقم 11)، هذا يعنى أن الأخلاق زبدة الدين بمعنى أن الأحسن هو الذي جمع الحسن وزيادة.
وبالجملة الذي تحب أن يواجهك الناس به من الكلام الطيب والفعل الجميل، فافعله مع خلق الله تعالى، وما تكره أن يعاملك العباد به من الكلام الخبيث والفعل الكريه، فاتركه فإن الله يعامل العبد بوصفه وخلقه الذي يعامل الخلق به، فمن أكرم عبداً لمراعاة سيده فإنما أكرم السيد كذلك، وكذلك جاء في الحديث عن الله عز وجل أنه يقول للعبد يوم القيامة: "جعت فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ومرضت فلم تعدني" فيقول العبد: "كيف تجوع يا الله وأنت رب العالمين وكيف تمرض وأنت رب العالمين وكيف تستسقى وأنت رب العالمين"، فيقول له سبحانه وتعالى مفسراً لذلك: "أما إنه مرض عبدي فلان فلو عدته لوجدتني عنده، وجاع عبدي فلان فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي، واستسقاك عبدي فلان أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي"، فمن رسخ قدمه في هذا المقام وصارت معاملته مع الحق جل جلاله في كل شي، فلا يراقب غير الله تعالى.
3- بر الوالدين : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحق بحسن الصحبة؟ قال: "أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك".
4- كف الأذى عن الناس: وفى ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ". كما قال أيضاً : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
5- احترام الخصوصية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وقال أيضاً : " من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته ".
6- الرفق بالنساء : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً ". 7- حسن معاملة الجار : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن جاره بوائقه"، وقال أيضاً:" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
8- حسن الخلق في الحرب: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصى قادة جيش المسلمين في إحدى الغزوات: "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً.. لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً".
9- الرفق بالحيوان: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة بالرفق بالحيوان، ومن أحاديثه في هذا المقام قوله: " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
10- أصول التعاملات الإنسانية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره (ثلاث مرات) – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه".
× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
هذا هو النبي محمد صلي الله عليه وسلم 2553