التغيير موضوع شائك ويكون مطلباً أساسياً وملحاً يتصدر أولوياتنا إذا كنا نريد الارتقاء بأمتنا وصادقين في هذا التوجه.
هذه دعوة صريحة للتغيير إلى الأصلح بكل الوسائل المتاحة حتى نصل إلى المنشود، وهو نهضة اليمن والخروج من الكبوة التي أدخلنا فيها البعض بقصد وبدون قصد، فالتغيير في حياتنا أمر حتمي، وهو سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون، ويأتي من الداخل إلى الخارج، وليس العكس.
والتغيير الذي نعنيه هنا هو التغيير الإيجابي، وهو سلسلة من الأعمال التي تقودنا إلى مستوى أفضل في شأن ما، أو في سائر شؤون حياتنا، والخطوة الأولى على طريق التغيير هي الاعتراف بوجود مشكلة، والشعور بالحاجة إلى التغيير، وهذه خطوة جوهرية لأن مشكلة الكثير منا عدم إدراك هذه الأهمية، غير أن أغلب الناس يعانى من صعوبة في التغيير، ويتألم لذلك، والكثير من الناس يرضخ للأمر الواقع، ويؤثر السلامة ويقاوم التغيير، وهذا مبعثه طبيعة النفس التي إذا اعتادت على شيء ألفته وارتبطت به وأحبته، ومن ثمَّ يصعُب عليها تركه وفطامها عنه، مثل الطفل الرضيع الذي تلقمه أمه ثديها، وعند وقت الفطام تكون معاناة شديدة للأم وللوليد، ولكن سرعان ما ينسى ما تجرعه من ألم، ويعتاد الطعام مثل الكبار.
ومقاومة التغيير تتشكل – غالبًا – من اعتقادات الناس في جدوى التغيير، فضلاً عن عبء البداية الجديدة والتكهنات بالمتاعب التي سوف تطرأ، والمفاجآت التي يمكن أن تظهر وتسبب له المتاعب. وكل هذه هواجس ما تلبث أن تزول عند الدخول في معترك التغيير، والبدء بأول خطوة وهى الشعور بالاستياء من الوضع الراهن ووجوب تغييره.
والتغيير يجب أن يكون جذابًا، والبديل يجب أن يكون برّاقًا، فالذي يُقلع مثلاً عن عادة التدخين يجب أن يكون لديه رؤية واضحة عن المكاسب التي سيجنيها من جراء التغيير والنتائج الإيجابية المتحققة منه، فطبقات النيكوتين المترسبة على جهازه التنفسي سوف تتلاشى شيئًا فشيئًا وتعود عملية التنفس لطبيعتها، ويستطيع ممارسة الرياضة، ويستطيع أن يخالط الناس دون خشية تأففهم من رائحة الدخان التي تغمر أنوفهم، ويتجنب الأمراض المميتة.. والأهم من ذلك كله أن الله يمنّ عليه ويعافيه من عمل سيئ، ويحافظ على الأمانة التي أودعه الله إياها.. وهكذا يجب أن يكون التغيير قابلاً للتطبيق وواقعياً.
والتغيير – بطبيعته – ليس سهلاً، ولكنه ممكن الحدوث إذا فهمنا واقعنا، وشعرنا بالخطأ، وأيقنا بضرورة التغيير، هذه القناعة هي التي ستدفعنا حتمًا للتغيير على جميع المستويات، فمنك يبدأ التغيير، وعلى مقدار وعيك وجهدك تحصل التبدلات الإيجابية.
ونقف وقفة هنا عند التغيير الشامل العميق الذي يبدأ بتغيير القيادة الفاسدة ويمتد ليشمل جميع مناحي النظم الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتشريعية والقضائية والدينية...الخ.
ومن ثم فإن تغيير القيادة الفاسدة أو المتعسفة أو النجاح في تغيير أنماط تفكيرها بما يتناسب مع صالح الدولة أو المؤسسة لا يمثل الهدف النهائي للراغبين في إحداث التغييرات، ولكنه يمثل الخطوة الأولى الفعالة نحو التحولات النوعية الكبرى التي تقفز بالدولة أو المؤسسات قفزة هائلة إلى الأمام، فتغيير القيادة هو خطوة نحو التغيير الشامل، وليس هو الهدف النهائي .
علينا معرفة الأساس الذي يجب أن نسير عليه، وماله من قوة ومتانة، وكذلك معرفة الأسباب التي جعلتنا نحيد على هذا المنهج القويم، ومعالجة ذلك بأسلوب راقي وحديث، ومن ثم ننطلق إلى وضع اللبنات الأولى في مشروع التغيير .
وهذا يدعونا – بطبيعة الحال – إلى أن نتعرف على ثقافة التغيير ونسعى إليها، وليكن القاسم المشترك الذي يجمعنا «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»، حتى نصل إلى المنشود، وهو بناء اليمن بناء علميًا يستفيد من كل الإمكانيات المتاحة لدى الشعب اليمني المادية والبشرية.
رائد محمد سيف
ثقافة التغيير.. 2180