• لو لم يكن للثورة اليمنية من فضل يذكر فيكفيها أنها وضعت حداً لخطابات السابق التي أصابت الشعب اليمني بالصداع على مدى 33 عاماً بما فيها من التحريض والتخوين وكيل الشتائم لخصومه السياسيين تارة ولمن سبقه من الحكام تارة أخرى.
• شخصياً لم أكن أستسيغ خطابات صالح حتى في الفترة التي كنت منضوياً في المؤتمر الشعبي العام وقد ينسحب هذا على الكثير من المثقفين والمتعلمين بل وغير المتعلمين، كما أني لم أكن من الذين يغرقون في تحليل تفاصيل ومضامين خطاباته سواء من المؤيدين أو المعارضين لأنها ببساطة لم تكن سوى تهريجاً لشخص كان يشعر بالنقص، فهو الرئيس الأمي الوحيد على مستوى العالم لم يلتحق بالتعليم ولم يحمل أي مؤهل دراسي يذكر وشعوره هذا كان يحاول تعويضه بكثرة الخطابات المتشنجة بسبب أو بدون سبب حتى قيل لو جمعت خطاباته ومقابلاته الصحفية لدخلت موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، ولأن الرجل مهووس بالظهور والكاميرا والخطابة لم تمنعه إصابته من الظهور على وسائل الإعلام بطريقة محرجة للدولة المضيفة بل ولأنصاره بتلك الصورة، حيث استمرت خطاباته من العاصمة الرياض كما وصفها في خطاب متلفز وبنفس الطريقة والأسلوب مستفزا لمشاعر اليمنيين ومحرضاً على قتل الثوار. ولأن الطبع يغلب التطبع"كما يقول المثل اليمني عاود صالح اسطوانته المشروخة في خطابه الأخير في حفل تنصيبه زعيماً للمؤتمر الشعبي مكيلاً التهم لأحزاب المعارضة ولحكومة الوفاق ولشباب الثورة ولدولة قطر ولكل من يرى في صالح مشروعاً تدميرياً ليس للبلد فقط بل للمنطقة برمتها ولم يعترف به زعيماً كما يخيل له ولمرتزقته الذين تمرسوا على التصفيق منذ ثلاثة عقود.
• هذه المرة بدأ الزعيم أشبه بمهرج في حلبة سيرك أرادها للاستعراض وفرض زعامته وفق خياله ومنطقه الفرعوني "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، هذا المنطق سيقود المؤتمر حتماً إلى الانقسام والتشظي إذا أصر أن يبقى رهينة لدى عائلة صالح التي تحلم بالعودة مجدداً على ظهره إلى السلطة كما سيعود بالبلد إلى المربع الأول إذا لم تضع الثورة حداً لهرطقات السابق كونها المعنية بالمقام الأول بإكمال أهدافها التي خرجت من أجلها ويعول عليها اليوم أن تكمل المشوار كما بدأته وأن تقطع الطريق أمام الثورة المضادة التي يقودها صالح وحلفاؤه .
• قرار مقاطعة الرئيس هادي لمهرجان صالح كان حكيماً وصائباً، فالمهرجان أقيم ليس بدافع الاحتفال بالذكرى بقدر ما هو محاولة يتيمة من قبل صالح لإعادته إلى الأضواء مجددا ولفت الأنظار إلى أنه ما يزال حاضراً في المشهد السياسي، لاسيما بعد النجاحات التي حققها هادي على أكثر من صعيد، لعل أبرزها جديته في محاربة القاعدة وهزيمتها في أبين، فالرجل أثبت أنه رجل المرحلة عكس ما كان يسوقه النظام السابق وخطاباته توحي أنه مسؤول من الطراز الأول.
• في فعالية صالح، ظهر صاحب فكرة "قلع العداد" في المنصة كأم "الحريوه"، يتنقل من مقعد إلى آخر، تارة يقاطع المتحدثين ويرمي بالجاه وتارة يصفق وتارة أخرى يقطع الورد ويرميه شمالاً وجنوباً، وعلى رأي لمثل المصري"اللي اختشوا ماتوا".
• تسخير الفن لخدمة الأنظمة الدكتاتورية وناهبي مقدرات الشعوب يجب أن يتوقف بعد ثورات الربيع العربي, لكن أن يظل وبتلك الطريقة التي أساءت لكل الأحرار في العالم أثناء مهرجان صالح، فله معنى واحد هو أن البعض ما يزال يقتات بكرامته ويلعق أكف المستبدين حتى وإن كانت ملوثة بدماء الأبرياء، و"إذا لم تستح فأصنع ما شئت".
عبد العليم الحاج
الطبع غلب التطبع 2244