;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

المفهوم الاجتماعي للحرية 2700

2012-09-03 02:26:25


إن الحرية هي الحياة, والحياة دون حرية لا معنى لها.. ولكن للحرية حدود لا يمكن تجاوزها عندما تضر بالآخرين.. أحب حرية الفكر وأتمنى أن يتمتع بها أي فرد من أفراد المجتمع ولاسيما الرجل الذي كثيراً ما يظلم المرأة عندما لا يعي مفهوم الحرية الصحيح دائماً ما يختلف مفهوم الحرية من فرد إلى آخر ومن جيل إلى جيل, حتى داخل الأسرة الواحدة تجد أن مفهوم الآباء للحرية يختلف عن نظرة الأبناء, وهو ما يؤدي إلى الصراع الأبدي المعروف باسم صراع الأجيال.‏
إن الحرية داخل الأسرة معادلة صعبة، فهي تتطلب أباً مثقفاً ومتحضراً يناقش قبل أن يعطي خلاصة تجاربه في الحياة, ويعلم أولاده عدم الخوف, ويعطيهم الفرصة للتجربة ولممارسة حقوقهم, وأن يتعلموا عواقبها, سواء مع الفشل أو النجاح.‏
لا يصح أن يعتبر الوالد حق الحرية منحة منحها للإبن لأنه يمن عليه بأبوته, ولا يصح أن يلجأ إلى منطق المساومة مع الأبناء, ويجب أن يتوافر عند الأب منطق السماح والمغفرة, وأن يكون حكيماً وليس ممسكاً بالعصا التي تهدد الأبناء, ويعرف علماء النفس الحرية بأنها القدرة على تحقيق فعل أو امتناع عن تحقيق فعل دون الخضوع لأي ضغط خارجي وهي قدرة الإنسان على اختيار أفعاله.‏ ويبدو الصراع بين الأبناء واضحاً في مرحلة المراهقة فيما يتعلق بموضوع الحرية لأسباب عديدة منها محاولة الآباء فرض سيطرتهم على أبنائهم بشكل كبير يصل إلى درجة إلغاء شخصية الأبناء الذين يصرخون دائماً مطالبين بالحرية والآباء خائفون ويشعرون بالتوجس من الحياة المفتوحة, مثل الإنترنت والفضائيات على سبيل المثال, لكنني أنصحهم بعدم الخوف, وإذا أعطينا الأبناء المبادئ والقيم وأهلناهم جيداً يمكن أن نتركهم وسط هذه المتغيرات دون خوف. وحتى يحدث ذلك لابد من تعليم الأطفال الحرية, منذ الصغر تدريجياً حتى يكونوا قادرين على الاعتماد على النفس, واتخاذ القرارات في المستقبل.‏
إن ضبط إيقاع الحرية داخل الأسرة يقع بصورة كاملة على عاتق الأبوين, فعليهما أن ينشئا أبناءهم تدريجياً على الحرية الملتزمة التي تعرف الحدود. ومنذ صغرهم لابد من تكوين الوازع الديني لديهم, وزرع مفاهيم الصواب والخطأ والمقبول والمستهجن, حتى لا يتسلل إلينا كل يوم من هذه الحضارة ما يجعلنا نفقد ثقافتنا وحضارتنا الأصيلة التي نعتز بها.‏ الحرية من أغنى المفهومات الفلسفية عن التعريف و هي مفهوم فردي و اجتماعي بآن واحد فلا وجود للمجتمعات إذا ما فقدت حريتها (استقلالها) و لكن يبدو هذا المفهوم فضفاضاً جداً إذا ما نظرنا إليه في إطار الحرية الفردية ما الذي يستوجب الآخر هل حرية الفرد أساس في الحفاظ على حرية المجتمع و هنا السؤال الكبير الذي يطرح نفسه ما المقصود بالحرية الفردية . و إذا كان الحال عكس ذلك فما واجب المجتمع الحر إزاء أفراده حتى يبعث فيهم الشعور بالحرية. من منا لم يتساءل يوماً عن معنى الحرية و كم من واحد فينا وجد الإجابة عن هذا السؤال. من منا يشعر حقاً بحريته وإذا كان كذلك فهل يستطيع أن يحدد لنا مصدر هذا الشعور. نعني بالحرية في العادة تلك الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه. فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي، و الإنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً و مفهوم الحرية يتوقف كثيراً على الحد المقابل الذي تثيره في أذهاننا هذه الكلمة، إذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية، كلمات عديدة مثل كلمة " الضرورة " أو " الحتمية " أو كلمة " القضاء و القدر " أو كلمة " الطبيعة " و لكن من الممكن أن نميز بصفة عامة بين نوعين من الحرية : حرية التنفيذ و حرية التصميم
أ - و المقصود بحرية التنفيذ : تلك المقدرة على العمل أو الامتناع عن العمل دون الخضوع لأي ضغط خارجي، و الحرية بهذا المعنى عبارة عن القدرة على التنفيذ مع انعدام كل قسر خارجي.
ب - أما حرية التصميم : فهي عبارة عن القدرة على الاختيار أعني القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة، تحد من حرية التصميم كالدوافع و الأهواء أن كل تجليات مفهوم الحرية، ترجع في جذورها العميقة والإنسانية إلى قيمة العدالة. فهي طريقنا إلى كل الفضائل. ولا حرية خاصة أو عامة بدون عدالة في حقول الحياة لمختلفة.
والعدالة كمفهوم في هذا السياق، هي أوسع وأعمق من القوانين والإجراءات لديمقراطية. إذ هي تتعلق بالممارسات والمواقف كما تتعلق بالبواعث والدوافع. فهي الدعامة لأساسية لأي نظام ديمقراطي حقيقي. والنظام الذي يفتقد العدالة، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً حتى لو تجلبب بكل شعارات الديمقراطية. فالعدالة هي جوهر الأنظمة الديمقراطية، وهي جسر توسيع رقعة الحرية في مجالات الحياة المختلفة. وعلى هذا فإن الحرية هي ذلك الحيز الذي يستطيع فيه الإنسان التصرف في أموره وقضاياه دون أن يصل إلى ظلم نفسه أو الآخرين. بمعنى أن حدود هذا الحيز الذي يستطيع الإنسان التصرف في فضائه هو العدالة. فالحرية تتسع وتضيق من خلال علاقتها بقيمة العدالة. وبهذا تتضح العلاقة العميقة في الرؤية الإسلامية بين مفهومي الحرية والعدالة. فلا عدالة حقيقية بدون حرية إنسانية، كما أنه لا حرية بدون عدالة في كل المستويات. فالحرية لا تعني التفلت من القيم والضوابط الأخلاقية والإنسانية، كما أن العدالة لا تعني قسر الناس على رأي واحد وقناعة محددة. لذلك فإننا ينبغي أن ننظر إلى مفهوم الحرية بعيدا من لغة الحذر والتوجس والتسلسل المنطقي الذي قد يوصل إلى مساواة معنى الحرية إلى التشريع للانحراف والرذيلة، ونعمل على توضيح العلاقة الجوهرية التي تربط معنى الحرية مع مفهوم العدالة. وبالتالي فإن الحرية عامل محرك باتجاه إنجاز مفهوم العدالة في الواقع الخارجي. كما أن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي التي تكرس مفهوم الحرية في الواقع المجتمعي. وعلى هذا فإننا لا بد أن "نميز بين الحرية كحق اجتماعي والحرية كخطوة وجودية. كحق، لا تشمل الحرية خيار ما هو محرم، ولكن كحالة وعي وجودي فهي تشمل جميع الاحتمالات، كما سبق وبينا. ففي المفهوم الوجودي يستطيع الفرد أن يقرر ما يشاء وهو عالم بتبعات قراره، ولا يحتاج إلى إجازة من أحد، بينما طالب الحق مقيد بما هو مجاز، ومن ذلك شرعية المطالبة بما هو محرم، ولكن ليس باختيار المحرم.. ولأن واقع الكوكب الذي نعيش عليه ليس بيئة واحدة، بل واقع بيئات متنوعة، مما يجعل العالم الإنساني واقع مجتمعات متمايزة. واقع أمم. فإن الوجود المجتمعي الأتم الكامل هو وجود الأمة التي لا تعني جيلاً واحداً في حقبة من الزمن ولا تعني عدة أجيال في عدة حقب زمنية بل تعني وحدة حياة الجماعة الإنسانية وحركتها المستمرة على بقعة أو بيئة معينة من الأرض تفاعلت معها وتتفاعل، وسوف يستمر هذا التفاعل منذ كانت الحياة الإنسانية إلى ما سوف تكون. استناداً إلى هذه النظرة التي تقول بالإنسان- المجتمع، والتي ترى أن الأفراد هم إمكانيات وفعاليات اجتماعية، فإن المثال الأعلى للقيم الإنسانية يتركز على الأساس المجتمعي الإنساني، حيث يكون المجتمع هو مصدر كل القيم ومآلها. وحيث يكون ارتقاؤه المستمر الشرط الأساسي على أهليته وجدارته في الابتكار والإبداع والخلق، وحيث يدل على مبلغ السموّ في رسالته الحضارية إلى الشعوب الأخرى، ويشير إلى جدية مشاركته في الصراع الإنساني من أجل تحقيق «حياة أجود، في عالم أجمل، وقيم أعلى» فبدلاً من فردية القيم وما ورائيتها كما تقرر في النظرة الروحية الغيبية، وبدلاً من فردية القيم وماديتها وخضوعها لبعض القوانين الحتمية التي توصّل إلى اكتشافها أو تقريرها العقل الإنساني في زمن معين، ومكان معين، ومستوى ثقافي معين، فإن القيم تصبح في المفهوم الجديد قيماً اجتماعية إنسانية تبدأ من وبالمجتمع وترتقي وتسمو بقدر ما في المجتمع من طاقة على الارتقاء والسموّ. وتصبح مسؤولية الأفراد ليست تجاه قيم ما ورائية مجردة، ولا تجاه قيم مادية خانقة، بل تجاه قضية عظمى تساوي كل وجودهم. ويتوقف على انتصارها أو انهيارها انتصار الأمة أو انهيارها. وانتصار العالم وغناه الإنساني أو انهيار العالم وشيوع همجيته.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبير في القانون العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد