أنفجر هدير الغضب المكتوم دهراً براكين, وسالت حممه أمواجاً من الأجساد البشرية الهائجة, تحملها أرواح متوثبة تنشد هدفاً أسمى..
شهد العالم قرابة عامين بتعجب طلائع الشباب يقذف ذاته لهباً يتطاول لهدم ماضٍ أسود, قاتم, واشرأب التاريخ بعنقه يسطر الملحمة!
لقد خرجت الجموع الثائرة متدفقة من كل حدب وصوب تهتف هتافاً موحداً بقلوب شتى ومن مشارب مختلفة.. هل أفاقت الأمم الغارقة في سبات عميق لقرون؟ وعلت حناجر المحللين, وسنوا ألسنتهم لتشريح الحدث, وتفنيد المواقف والآراء...
ضجيج مزعج!!
قيل الكثير..لكن الحقيقة الوحيدة ـ وسط هذا كله ـ هي أن الشعوب المضطهدة ثارت تطلب الحرية والعدالة, وتنشد الدولة المدنية التي ستخلصهم من قيود الحكم العسكري القاسي المتجبر..
"دولة مدنية " مصطلح ردده الجميع.. ولكل توصيفه ومعاييره الخاصة لهذا المسمى..
وفي اليمن تبقى خصوصيات بألوان شتى..
فهنا شعب جل أهله أميون! شعب يقدس الأشخاص!! شعب لا يعرف المعنى الحقيقي للحرية, ولا يدرك حدودها وضوابطها! شعب عاش دهراً بالبركة!! شعب بسيط طيب!!
ورغم هذا فلا أحد عاقل, منصف ينكر بأن الثورة السلمية في اليمن أعادت بزخمها, ولهبها صياغة, وصقل شخصية الفرد في بلادنا, وأسهمت في خلق توجه نوعي في تفكيرهم, بحمله على الانفتاح للتفكير بقنوات عدة كانت مغلقة بفعل ثقافة الخضوع والخنوع والرضا بالواقع كيفما كان, والتي كانت سائدة في مجتمعنا قبل الثورة.
ولكن الإنصاف أيضاً يدعونا لمناقشة الآفات التي برزت في خضم هذه الثورة المفاجئة للجميع.
نلحظ وبوضوح بأن الثورة خلقت بيئة خصبة لتنامي علل شتى في بلادنا.. وأعظم ما نخشاه أن ينتقل هذا الشعب البسيط من طرف لنقيضه في تناوله لقضايا الوطن. المجتمع يعاني من فكر يقدس القديم ولو كان سيئاً!! وينبذ الحديث وإن كان جيداً!!
تيار واسع في مجتمعنا يحيا بهذا الفكر!
والعلة الأسوأ هي " شخصنة " القضايا الكبرى.. فالثورة عند البعض تعني "فلان وفلان" وتختزل في الحزب "الفلاني" والفرقة "العلانية""
التغيير في ذهنهم مرتبط بنبذ " فلان" وحزبه.. السلطة لا تصلح إلا لهذه الجماعة أو تلك! والوطن وإنسانه غائب عن وجدان الكثيرين!!
اليمن غنيمة لن نتحاور من أجل نهضتها إلا بعدما نتقاسمها نحن عليه القوم.. ولسان حال أغلبهم: لن أجلس إلى طاولة الحوار لإنقاذ اليمن إلا إن منحت النصيب الأوفر من هذه النعجة المريضة!!
عذراً يا يمن, يا كوكبا يعشقه ثلة غرباء, ويتسلط عليه شلة أغبياء, وجل أهله غثاء في غثاء!!
نبيلة الوليدي
عذراً يا يمن! 2371