إن للقضاء المستعجل ماهية خاصة به وهي أنه قضاء استثنائي من الأصل وهو (القضاء العادي)، ولما كان للأخير أخطاء وعيوب عديدة تؤدي في أغلب الأوقات إلى إهدار حقوق الأطراف بل وأحياناً إلى إضاعتها ولا تتحقق معها العدالة المنشودة، فإن القضاء المستعجل الذي يشذ عن طبيعة القضاء العادي يقوم أساسا على فكرة إسعاف الخصوم بأحكام عاجلة وقابلة للتنفيذ الجبري فور صدورها من واقع مسودة الحكم حتى ولو مع استئناف الخصم ومن شأنها أن تضع الخصوم في مركز مؤقت ريثما يُفْصَل في أصل الحق ويُقصَد به الفصل في المنازعات التي يُخشَى عليها من فوات الأوان بصفة مؤقتة دون المساس بأصل الحق بقرار ملزم للخصوم كما يُقصَد به أيضاً المحافظة على الأوضاع القائمة واحترام الحقوق الظاهرة وصيانة مصالح الطرفين المتنازعين، ناهيك عن أنه حماية عاجلة ليس من شأنها أن تُكسب حقا لهذا الخصم أو تُهدر حقاً لذاك وهو قضاء يضع حداً للتعدي فوراً.
وقد اتفق القانون اليمني في تعريفه للقضاء المستعجل مع التعريفات السالف بيانها حيث نصت المادة (238) من قانون المرافعات رقم (40) لسنة2002م بأن القضاء المستعجل(حكم مؤقت بتدبير وقتي أو تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يُخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل الحق) وفي جميع الأحوال فإن القضاء المستعجل من الأهمية بمكان لا يستغني عنه فرد ولا جماعة وقد أولته جميع التشريعات العربية والإسلامية والأجنبية اهتماماتها البالغة وأفردت له قوانين خاصة به.
ولما كان المشرع اليمني قد خصص الفصل (الرابع)من قانون المرافعات بالقضاء المستعجل بفرعيه (العمل ألولائي والأوامر على العرائض )فما هو دور القضاء اليمني في تطبيق القانون بشأنه وحماية النظام العام والأوضاع العامة الظاهرة وسد الأبواب على سيِّئي النية وإعاقتهم عن تحقيق مقاصدهم فالقضاء اليمني وللأسف الشديد معيباً ولم يؤدي دوره المطلوب منه في تطبيق نصوص القانون في الحماية الوقتية لحقوق الخصوم وحماية مراكزهم القانونية، فالمواطن اليمني يعيش الآماً وحسرات وآهات فما أن يلجأ إلى القضاء طالباً حماية أمواله بمنع التعرض لها أو استرداد حيازتها أو إزالة العدوان الواقع عليها أو غير ذلك من الأمور المستعجلة المحددة بالمادة (240) مرافعات أو المستعجلة بطبيعتها سيجد القضاة في المحاكم اليمنية على ثلاث أصناف.
(الأول) وهو النادر الذي يحترم القانون ويفقه الشرع ويحمي الحقوق والحريات فيبادر إلى إصدار أمر على عريضة أو بالتأشير على دعوى مستعجلة وينظرها خلال (24) ساعة ويصدر قراره العادل الحكيم بمنع التعرض أو استرداد الحيازة أو إزالة العدوان ويباشر التنفيذ على الفور ولو مع استئناف الخصم للحكم ومثل هذا القاضي يرضى الله عنه من علياء سمائه ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء.
أما الصنف (الثاني) فهو من يدرك إجراءات نظر القضايا المستعجلة فيقوم بإعلان الخصم ويصدر قراره المستعجل بعد سماع طرفي الخصومة وبأقرب وقت بَيْدَ انه لا فرق عند هذا القاضي بين الحكم المستعجل والحكم العادي حيث يطلب المحكوم له تنفيذ حكمه فيرد المحكوم عليه بتقديم عريضة استئناف فيقوم القاضي بوقف التنفيذ بحجة أن الحكم مستأنف وهو بذلك يكون قد خالف القانون الذي يوجب عليه إجراء التنفيذ الجبري ولو مع استئناف الخصم وفقا لنص المادة (243) مرافعات.
والصنف (الثالث) من لا يفرق بين القضاء المستعجل والقضاء العادي فيأتي المتقاضي يهرع جريا مستغيثا طالبا نجدته وحماية حقوقه وممتلكاته من أي اعتداء قام به نافذ أو ظالم أو جائر فإذا بالقاضي وببرودة أعصاب يتعامل مع القضية كما لو كانت عادية فإذا كانت الدعوى تتضمن طلب إيقاف عدوان (حفر أساس) فقد يؤجل القاضي موعد الجلسة لمدة شهر أو يزيد وذلك لحضور المدعى عليه فإنك تجد أن المدعى عليه المعتدي سيتمكن ـ من خلال هذه المدة ـ من الاستمرار في عدوانه باستكمال حفر الأساس والبناء والتسطيح حتى الانتهاء فيأتي الموعد وقد سكن المعتدي في البيت الذي بناه في ممتلكات خصمه محل الدعوى وفي مثل هذه الحالة فلم يعد القضاء ملجأ لإنصاف المظلومين وحماية حقوقهم وإزالة الظلم عنهم واستقرار مراكزهم القانونية بقدر ما هو مؤجج للمشاكل ومثير للفتن ومهدر للحقوق ومساعد للظلمة بالسطو على ممتلكات الضعفاء والمساكين هذا فضلا عن أن هذا الصنف هو من يتسبب في اختلال الوضع وإضاعة الحق ولجوء الخصم إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاته بدلاً عن القضاء وذلك ما يكون نتيجته الاقتتال وإحداث الإصابات وظهور مشاكل وجرائم جنائية جديدة غير السابقة وما أكثر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمعظم النار من مستصغر الشرر.
أحمد محمد نعمان
وَاقِعُ القَضَاءِ المُسْتَعْجَلِ فِي اليَمَن 2418