جرت العادة أن تكون سلطة الأهل أقوى حتى من الثقافات المُكتسبة وتحت مبررات واهية من ضمنها الأعراف والتقاليد وهذا ما يُفسّر تأخر المستوى الثقافي في أبناء بلادنا، فتجد البعض يخرج من طوق سلطة الأهل ويسافر للخارج للدراسة والعمل ويتزوج وينجب وما زال يحمل في باطن أفكاره لُمامات ثقافات بائدة ورثها عن أبائه وأجداده لم ينس الأهل دسها في حقائب سفره !
كذلك الحال للفتاة في مجتمعنا اليمني وهي المنطقة الأكثر حلكة وضيقاً، فمهما تعلّمت وتفوقت وخرجت للعمل ونجحت فستظل (مَره) وكما يقول المثل الشائع (المره مره ولو زمره ) وهذا مثال بسيط للثقافات البائدة والتي نالت من عقول وأفئدة الأهل الجزء الكبير ، وتحت وطأة هذه الثقافات المُتمترسة خلف سلطة الأهل تجد الفتاة تتحمل أصناف الضغوطات والمشاكل والجرائم الإنسانية، فنجد الزواج المبكر يستفحل والطلاق يتفشى وألسن الناس تذبح فمن الكلمات ما قتل ولا ننسى جرائم الشرف التي باتت تعلو نسبها تحت سقف الصمت والخزي وما زال الأهل متشبثين بمعتقداتهم القاسية وما زالت "المره مره!".
ثقافة السَتر إحدى الثقافات البائدة في حق المرأة والتي كرمها الله في كتابه الحكيم بل ومن أكثر الثقافات تشبثاً بعقول الأهل، خاصة أولئك الذي مازالت تحكمهم أعراف القبيلة وعادة ما يصنفونهم بأهل (المناطق الوسطى) فبمجرد أن تطالب الفتاة بأبسط حقوقها كالتعليم مثلاً تتهافت الأصوات لإسكاتها وتذكيرها بأنها (مره) وكأن المرأة خارج نطاق التعليم والعمل ولو حدث وان دخلت المدرسة فالغالب أنها لا تكمل تعليمها وان أكملته فستتوقف عجلة التعليم عند أي طرقة باب لعريس وان كان مُسّناً!.
نفس القصة تحدث عند الحديث عن وظيفة تُثبت من خلالها المرأة مكانتها في المجتمع وتخدمه فالجواب معروف وإن حدث وتوّظفت فما تزال الألسن تلاحقها بذات الجملة وتلاحقها الشكوك والأوهام، فتجرها أحياناً للتفكير بالخطأ بعدما يقطع الأهل عليها الطريق للنجاح في الحياة بتقييدها في غرفة صغيرة بُنيت للطبخ!.
المرأة من وجهة نظرهم خُلقت للمطبخ والسترة هي مآلها ولن تكون السترة، إلا بأن تنتظر (سي سيد) في البيت حتى يأتي ومعه السترة!.
للأسف نظرة قاصرة للحياة بشكل عام ولدور المرأة فيها بشكل خاص وما لهذا خُلقت ، لا ننكر أن الزواج هو اللبنة الأساسية لتنعم المرأة بالهدوء والاستقرار ولكن لا يمنع هذا أن تتعلم وتعمل وتخدم وتطبخ أيضاً، فعملية ربط ثقافة الستر بالبيت والزوج دونما أشياء أخرى هو الخطأ بعينه، وأن تسمع عن فتاة تعمل وقد وصلت لسن متأخرة دون زواج لا يعني أنها غير مستورة بل على العكس علينا أن نفخر بمثل هؤلاء فتيات لأنهن يقدمن مصلحة المجتمع وخدمته على مصالحهن فيرفضن الارتباط أحياناً وأحياناً يأخرنه..
مهم جداً أن نفهم أحجية طبيعة المرأة السيكولوجية حتى تتغلب على الثقافات البائدة والتي من شأنها أن تردم أبواب الحضارات بالصخور فيصعب انتشالها بعد ذلك ...
رسالة أخطها إلى جميع الأهالي وأخص بالذكر أهالي فتيات مازلن يشرّعن في نسج أحلامهن من مقربة من ثغرة أمل : لا ترموا بناتكن إلى الضياع تحت غطاء السترة ، ساعدوهن على النجاح في داخل البيت وخارجه ، كونوا معهن لا عليهن ، الزواج قسمة ونصيب أتفق معكم ولكن الحياة لا تتوقف على زوج وأبناء وإن كن البعض بحاجة لذلك، فهذا ما هو إلا انعكاس لثقتكم في بناتكم ومشاريعهن الناجحة في الحياة ..فاصنعوا منهن أمهات ونساء عظيمات يفخر بهن التاريخ على مر العصور ..
أحلام المقالح
سُلطة الأهل وثقافة السَتر!! 2496