زمان كانت الفتاة تتمتع بالكثير من الحياء والأدب الذي يجعلها تبدو جميلة وإن لم تكن لأنها بأخلاقها تكسب قلوب الناس وليس أعينهم فحسب وكان الشاب يعرف بالشهامة والرجولة والحياء أيضاً فبنت الجيران وبنت قريته عموماً لها احترام عنده ويخاف عليها كما يخاف على أخته ولا يسمح لأحد أن يمس سمعتها بكلمة
زمان كان الرجل ملئ بيته يحنو على زوجته ويلاعب صغاره ويحرسهم بعينية كانت البيوت صغيرة وبسيطة جداً، لكن كان الدفء يملأ جدرانها والحب معشش في غرفها لأن القلوب كانت واسعة ومتقاربة..
زمان كان إذا ما أخطأ الفتى أو الفتاة عاتبة الجيران ونصحوه ومنعوه من ارتكاب الخطأ قبل أهل بيته، لذا كانت التربية سهلة لأن الجميع كان ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف.
زمان كان في كل قرية مسجد واحد مبني من الطين ومفروش بالحصير، لكن كان فيه رجال يخافون الله، أكتافهم متلاصقة وقلوبهم متآلفة ونفوسهم عزيزة يقيمون حدود الله ويتحاكمون بشريعته فبمجرد أن تقول لشخص ذلك الشيء حرام يهتز كيانه ويرتجف قلبه خوفاً من ربه.
زمان كان الرجل حين يسافر يوصي جارة بأهل بيته وكان جارة يراعى الله فيهم ويعتبرهم جزءاً من محارمه..
زمان كانت الابن طوع أبيه والبنت لا تجرؤ على النظر إلى وجه أمها حياءً وتقديراً
زمان كن النساء يعملن بجانب الرجال في الحقول والوديان لا ينقص ذلك من مكانتهن ولا يعرض سمعتهن لأن الناس كانوا يخافون الله في أعراض بعضهم البعض لأنهم يعلمون أن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه..
زمان كان إذا نظر شاب لفتاة من بعيد كرهه الناس واشمئزوا منه لأنهم يعتبرونه قليل حياء
الحياء هذا الخلق الرفيع الراقي الذي اختفى أو كاد من قاموس أخلاقنا في هذه الأيام، إذ لم يعد الشاب ينظر من بعيد وحسب بل يحلق من قريب ويرمي برقم هاتفه ويتلفظ بأبشع الكلمات وأول من يعاكس بنت الجيران هو جارها وأول من يتكلم عن بنات الحارة هم شباب الحارة
اليوم الحياء صار غباءً والطيب مسكيناً والسارق شاطراً والكذاب ذكياً والشاب الذي لا يعاكس البنات أهبل والبنت التي ليس لها صاحب متخلفة وغبية، البنت أصبحت ترفع صوتها على أمها وترد عليها بدل الكلمة عشر والإبن يمد يده على والده وقد يضرب أمه الجار جنب الجار والباب أمام الباب في عمارة واحدة ولا يكاد أحد يعرف اسم جاره
تعالت البيوت وتوسعت وأصبحت تبنى من أسمنت وحديد وكذلك صارت القلوب من حديد والصدور ضاقت، لم يعد للآخر متسع فيها، كثرت المساجد وارتفع بنيانها وقل روادها وتقزم رجالها يصلون في مسجد واحد ولا يكاد أحدهم يعرف الآخر
زمان كان لحياة الإنسان قيمة لا يجرؤ أحد على مجرد رفع السلاح في وجه، أخيه، اليوم أصبحت حياة الإنسان أرخص من حزمة قات وأحقر من ذرة تراب منثورة في ارض قاحلة.. زمان كانت الأخلاق تحتل مساحة واسعة في نفوس الناس وفي تعاملاتهم وحياتهم اليومية، لذا كانت الحياة سهلة بسيطة ولها مذاق مختلف تماماُ عن ما هي علية اليوم .
جواهر الظاهري
شيء من الماضي 1963