محمد تشاجر مع علي داخل فناء المدرسة، مما أدى إلى التشابك بالأيدي ذهبا إلى الأستاذ يتحاكما إليه، لكنه لم يلق لهم بالاً ونهرهما فحسب.
علي شعر أنه لم يأخذ حقه من محمد فما كان منه إلا أن خرج من المدرسة وجمع عدداً من أصحاب الحارة وانتظر أمام بوابة المدرسة وما إن خرج محمد حتى انهال عليه ورفاقه بالضرب المبرح ثم فر هارباً ومع أن كل ذلك حصل أمام المدرسة وعلى مرأى ومسمع من بعض المدرسين إلا أنهم لم يحركوا ساكناً لان ذلك ليس من شأنهم حد قولهم طالما وهو خارج سور المدرسة
محمد هو الأخر شعر بالقهر والظلم فجمع في اليوم الثاني عدداً من أفراد حارته (عصابة) مسلحين بالعصي والحجارة وذهب إلى حارة علي ليشفي غليله ويأخذ حقه بيده وهكذا تستمر الحكاية
نفس السيناريو يحدث مع الكبار لكن بطريقة أقوى وأكثر إثارة لأن أسلحة الكبار تختلف تماماً عن أسلحة الصغار
في ظروف ومناخ غريب أصبح العنف ثقافة مجتمع بمختلف شرائحه وفئاته وفي ظل غياب الشعور بالأمن والأمان صار الكل يحمل السلاح في يده ابتداءً من العصا مروراً بالبندقية والقنبلة
لم يعد لرجل الأمن هيبة أو مكانة عالية في نفوس الناس لأنه أصبح ينظر إليه كشخص يتقنص الفرص ليجمع ما يستطيع من جيب المواطن المغلوب على أمره إذا ما أجبرته الظروف ليلجأ إليه طالباً المساعدة أو الحماية كحق من حقوقه المفروضة على رجل الأمن.
لكن لأن هذا المرفق أصيب كغيره بداء الفساد الذي نخر في عظامه وحوله من أهم مرفق في الدولة لأنه يعنى بحياة الناس وأمنهم إلى مجرد بدلة من يلبسها ليس له أي دور يذكر.
لذا فإن بإمكان أي شخص يقتل أو يسرق ويعيث في البلد فساداً بحرية كاملة لأنه يدرك تماماً أنه في النهاية لن يحتاج لأكثر من حفنة من المال يضعها في جيب الضابط أو العسكري أو حتى القاضي، ليكون حراً طليقاً فوق النظام والقانون.
أي قانون يا محترم خذ حقك بأيدك!! هذه الجملة غدت قانوناً بحد ذاتها ربما نحتاج إلى ثورة أخرى حتى نستطيع أن نتحرر منها ونحرر عقول الناس من سيطرة ثقافة سادت وتفحلت خلال دهر بأكمله
وإذا كان هناك من استطاع أن يصل إلى وزارة الداخلية ويحاصرها، فكيف نستطيع أن نقنع المواطن البسيط الذي يرى كل شيء أمامه يسير بغير قانون بأن هناك رجل أمن يسهر لحمايته وأمنه وهو أيضاً يعلم أن رجال الأمن هم أضعف وأكثر خوفاً على حياتهم من الرجل العادي .
جواهر الظاهري
العنف.. حين يصبح ثقافة مجتمع بأكمله 1971