النوم لذة من ملذات الدنيا وهي عملية موت اكلينكية صغيرة يتعرض خلالها الجسد إلى نفحات راحة وحرية روحية غاية في الدقة والغموض، فمن عجائب النوم أنك لا تدرك اللحظة التي غفوت فيها بينما تدرك اللحظة التي استيقظت فيها مع العجز التام عن وصف كل تلك المواقف المرتبكة التي حدثت في شريط متسلسل من المشاهد المعبرة عن ماضينا أو حاضرنا وحتى مستقبلنا اللهم إلا ما يحمل منها رموزاً قوية وهي تلك الأحلام التي تحمل شيئاً من الوحي الصادق من الله لأصحاب النفوس التقية والنوايا الطاهرة ولو بنسبة ضئيلة لأن رحمة الله سماء لا حدود لها.
نهرب كثيراً من ضوضاء الحياة وضجيجها إلى عالم من الخيال والرؤى الواضحة وغير الواضحة حين نخلد إلى النوم، وبينما يرى بعض العلماء أنه لابد أن يتهيأ الإنسان للنوم تماماً كما يتهيأ لمواجهة اليقظة بكل ما فيها من مهام وأعباء وواجبات يرى البعض الآخر من علماء النفس والميتا فيزياقياً أن الإنسان يجب أن يدلف إلى مرحلة النوم دون عناء البحث عن مسبباته أو التهيء له، لكن الحقيقة أن طبائع البشر وعاداتهم وأنماطهم السلوكية هي من تحدد الطريقة التي يتفاعلون بها مع النوم كلذة يومية لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها كالهواء والماء تماماً بينما يستطيع الإنسان البقاء دون طعاماً مثلاً لعدم أيام دون أن يؤثر هذا على جهازه العصبي ودون أن يدفعه لارتكاب أخطاء قد تؤذي حياته.
النوم محطة للتزود بالوقود الحسي وهو رحلة إجبارية مرفهة لحواس هذا الإنسان الذي ترتدي حواسه ثياب العناء والتعب على مدار اليوم في عالم كل ما فيه بحاجة للطاقة حتى مشاعرنا التي قد تنضب أحياناً حُباً أو كرهاً فهي بحاجة للطاقة أيضاً لتبقى بعيدة عن الخراب والصدأ.
لاشيء يعدل تلك الحرية التي يتمتع بها الإنسان أثناء نومه، لأن ذلك الإنسان الذي يسير على قدميه نهاراً تصبح له أجنحة عندما ينام، هذا المخلوق الذي يظل حبيس الأرض يصبح فجأة في الفضاء حين ينتقل للعيش خلال ساعات من منزله الكبير إلى مساحة لا يتجاوز المليمترات بين جفين نامسين وحركة جسد مشلولة شللاً مؤقتاً.
الكثير منا يرى في النوم حكماً جبرياً لإقصاء جراحه عن واقعه لأن الكثير منا أيضاً يعيش جراحه بطريقة ديكتاتورية لينام ويصحو محتضناً مشاعره النازفة وكأن الحياة توقفت عند تلك الجراح ولم يعد هناك أسباب للعيش من جديد، لكن التجارب أثبتت أن النوم ببال خال من الهموم يمنح الشعور بالراحة والنوم العميق ومن ثم صحة جيدة لجهازنا العصبي لتدرك وقائع العالم من حولنا بشكل أدق ولهذا كان صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ينامون على وضوء وورد من القرآن الكريم والأدعية التي تسبب حصول الاسترخاء والطمأنينة قبل النوم، إذاً فنحن نهرب من اليقظة إلى النوم لكن هل يحدث العكس معنا حين نستيقظ كل صباح؟!
ألطاف الأهدل
النوم الهروب الحُر..! 2574