ذكرنا في مقالة سابقة أن مبدأ العدالة الاجتماعية هو أهم مبادئ ثورة فبراير بل هو أساس الفعل الثوري بل وذهبنا أبعد من ذلك في هذا المضمار عندما أكدنا على أن هناك صياغة جديدة سنراها لهذا المبدأ خلال المرحلة القادمة لتاريخ دول الربيع العربي بشكل خاص ودول العالم بشكل عام وخاصة تلك الدول التي شهدت احتجاجات لأسباب اقتصادية.
إلا أن هناك مبادئ أخرى حددناها هناك لعل من أهمها ـ حيث يأتي في الأولوية بعد مبدأ العدالة الاجتماعية ـ مبدأ الحرية ونعني هنا بالحرية، حرية الإنسان التي ضمنتها مواثيق الأمم المتحدة وعلى رأس هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة 1948 ودساتير دول العالم المتحضرة وإشارات نظرية لهذا المبدأ في دول العالم العربي ومنها دول الربيع العربي.
والسؤال الذي نطرحه الآن هو ما هو حال هذا المبدأ الأساسي في التاريخ القانوني لدول الربيع العربي وهل هناك نقطة تحول يمكن رصدها وتسجيلها في مسار تطور هذا المبدأ في هذه الدول؟
مبدأ الحرية الإنسانية مبدأ لصيق بالإنسان منذ ولادته وهو ما عبر عنه الإسلام بقول عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) ثم جاءت التشريعات القانونية والفقه القانوني ليؤكد هذا الأمر ومع ذلك فإن اهتمام الدول العربية ـ بما فيها دول الربيع العربي ـ كان اهتماماً شكلياً لا يرقى إلي الدخول في المظاهر التطبيقية لهذا المبدأ بالشكل الذي يمكنا من دراستها دراسة قانونيه واقعية وإبراز مظاهرها العملية ليسجلها التاريخ للنظم القانونية التي كانت تسود قبل الثورة في هذه الدول.
واستثناء من القاعدة العامة التي خطينها سلفاً والتي مفادها اقتصار مبدأ الحرية الانسانية _على أهميته _على الجانب النظري دون الولوج في الجانب التطبيقي لهذا المبدأ فإن هناك بعض الجهود القضائية التي بذلها القضاء الدستوري المصري لتحديد مجال الحرية الانسانية ونطاق أعمالها بالشكل الذي يبرزه عن الاستثناءات التي يجب عدم تجاوزها، وهو جهد قضائي طيب بذله القضاء الدستوري المصري بما له من استقلاليه كان يتمتع بها ويستطيع إعمالها لإزالة اللبس والغموض في النصوص الدستورية التي تضمنها دستور 1971 المصري السابق.
ولمبدأ الحرية فروع متعددة منها حرية الاستثمار وحرية التعليم في الجامعات والمدارس وحرية التعبير وحرية الفكر ............ وغير ذلك.
وفي اليمن اقتصر الاهتمام بهذا المبدأ على الجانب النظري وذلك من خلال النص عليه في صلب الدساتير اليمنية أو من خلال إصدار التشريعات التي تتضمن نصوص متقنة الصياغة ولكنها لا تتجاوز الجانب النظري وتأتي في الغالب تحت تأثيرات خارجية على السياسة التشريعية اليمنية.
وبالتالي فإن التطور في مبدأ الحرية الإنسانية في اليمن على مختلف فروع هذا المبدأ تقتصر على التطور النظري دون الولوج في الجانب التطبيقي وذلك في ظل سيادة تأثير خطير ومدمر لعامل القطبية السياسية على مبادئ قانونيه عليا تتعلق بإنسانية الإنسان ولا يتجاوز هذا التأثير في حدوده النظرية سوى محاوله إضفاء مبادئ قانونيه عليا لها علاقة بالفكر الإسلامي أو تعديل في التشريعات القانونية لمحاولة الظهور أمام دول العالم الأخرى ومنظماته الدولية بمظهر المهتم بحقوق وحريات الإنسان ولكن سرعان ما يتم مخالفة هذه المبادئ والقواعد القانونية في الواقع العملي لتحقيق أهداف سياسية وحزبية بعيدة كل البعد عن القانون.
لا نستطيع أن ننكر التطور النظري لمبدأ الحرية الإنسانية في اليمن خلال العقدين الماضيين بل التطور البسيط في الجانب العملي لبعض فروعه مثل حرية الاستثمار إلا إنه في الوقت نفسه لا أحد يستطيع الإنكار أن هناك كثير من فروع هذا المبدأ الأساسي مثل حرية الفكر والتعبير والتعليم في المدارس والجامعات بحاجة ماسة إلى مراجعة وتطوير بالشكل الذي يجعل لهذا المبدأ أثراً ملموساً في الواقع العملي.
د. ضياء العبسي
الحرية الإنسانية 2417