الحديث عن الجمال لا يستعدي إهتمام أحد في حال أن أصبح القبح هو الرمزية السائدة لحياة البشر. مؤسف ما وصلنا إليه من بغض للجمال وحب للقبح.
نتلذذ في إقتلاع قمم الجمال، لنعيش في واقع أشد قبحاً من القبح، لكنا لم نك قبل هذا بهذا الحال وفقدنا النقطة التي أبتدأ بها مشوار تخلينا عن الجمال وبتنا في حاجة للخروج من براثن الأوساخ إلى طهر النقاء ومعانقة آيات الجمال.
الجمال يمثل ما تهواه الأنفس وتستطيب " رؤيته، سماعه أو تذوقه.... "، كلمة تحتوى كل ما هو نفيس وذو قيمة... أين ذهبت هذه القيمة الرائعة من حياتنا ؟؟ عفواً يا سادتي هل مازال للجمال مكان في حياتنا؟ هل ما زلنا نشعر به فى كل ما حولنا؟
ولماذا لم نعد نحبه ؟ الأدهى من هذا لماذا لم نعد ندرك القيمة الحقيقية للجمال حتى اعتدنا على القبح والدمامة فى كل شئ بدءاً من الأخلاق الفاسدة، والصفات الخبيثة التي استشرت بين الناس، ولم يعد أحدنا يدرك الفرق بينها وبين الصفات الطيبة الحسنة.
اختلط الحابل بالنابل في كل شئ...أصبح العامل المجد المجتهد " حمار شغل"، الإنسان المحترم المهذب الخلوق " بليد "، الموظف الفاسد المرتشى " شاطر " أصبح حبنا لوطننا عار نداريه ونخجل من الجهر به حتى لا نتهم بالسذاجة، وعدم إدراكنا لحقائق الحياة، دعوتنا لنيل حقوقننا " تهريج وسذاجة ".
إذا ذكرنا تاريخ مسئول نزيه وشريف ونرى حالته البائسة أو المتواضعة لأنه جعل من النصب مغرماً لا مغنماً نسخر منه واصفين إياه " بالأهبل " لأنه لم يقم بإستخدام المنصب لتأمين مستقبله ومستقبل أولاده، وبالمقابل نطلق وصف " الذكي والشاطر " على المسئول المتنفذ الفاسد الذي سخر كل إمكانيات المنصب لصالحه.
اعتادت أعيننا على القبح لم نعد نكترث له ولم تعد تهمنا القمامة في الشوارع، ولا تثير في أنفسنا التأفف، ونخجل أن ننحني ونرفع "كيس شوكلاتة" من الشارع لنلقى بها في سلة للمهملات.
صرنا لا نعير النواحي الجمالية في بيوتنا أو شوارعنا أي انتباه. واعتادت آذاننا على أسوأ استعمار "الضوضاء"، فلم نعد نشعر بنغمة جميلة أو ندرك قيمة لحن متميز. ليمتزج الحب ـ أرقي المشاعر الإنسانية بالفن أعلى مراتب الإبداع الإنساني ـ بأغاني هابطة وساذجة الكلمات والالحان ليتهافت على سماعها الناس وترديدها والإعجاب بها ثم يغدو "المغيبين والعاطلين" ـ الذين تقدمهم شركات الإنتاج الفني والسينمائي ـ هم المثل والقدوة للشباب كما أنهم شيئاً جميلاً يحبونه ويقدرونه وصولاً إلى أن أي خروقات أخلاقيه يرتكبها هؤلاء لا تستدعي شجبها بل - يا لقبح حالنا - موضع تعاطف وحب له وشهرة إكتسبها من مخالفته كما لو كان زعيماً ثورياً يقتدى به.
إختلفت المعايير والقيم في أذهاننا. حتى لعب الأطفال صارت بعيدة عن كل ما هو جميل وراقى و محفز على الإبداع بل تمتاز وتتسم بالعنف والعدوانية لخلق أجيال مشوهة الفطرة.
ولا ندري هل تراجعنا حضارياً وإنسانياً إلى هذه الدرجة،وتخلفنا وعدنا بدائيين وهمجيين فى مشاعرنا وفى إحساسنا بقيمة الجمال إلى هذه الدرجة..؟؟!! الأسباب عديدة، وقد تكون بعضها الظروف الإقتصادية، والقهر والظلم والإستبداد، لتنتحر وتصلب كل القيم الجميلة بداخلنا.
* غصة وطن :
كدت أنسى أن لي قلباً خفوقاً بين جنبي
كدت استلقي على صحراء يأسي
يا لغيث لم يزرني ! أجدبت أرض بها عانقت حلمي
ثم خانتني الأماني رغم شح الفرح في تاريخ عمري
وانطوت ذكرى رحيل العمر مظلوما يغني :
كدت أنسى أن لي قلباً خفوقاً بين جنبي..
أحمد حمود الأثوري
هل مازلنا نشعر بالجمال ؟ 1934