المحطة الأولى الكل مخاطب بالحوار، قال نبي الله يوسف عليه السلام: "تزرعون" فأسند الأمر إليهم ولم يقل تزرع الدولة، ولا الأحزاب، ولا منظمات المجتمع المدني، الكل معني بإنقاذ البلد، الكل يملك أن يقدم لليمن شيئا يمكن لليمن الانتفاع به، كل شخص مهم، وجهده مطلوب، وسيظل ذلك الجهد في ذمته، لأنه جزء من الحل، حيث وعدم المشاركة هو المشكلة بعينها، وبالمشاركة من الكل يتحقق الحل.
يجب أن ندرك أننا لسنا في تقسيم كعكة، كما يحاول بعض المتضررين من نجاح الحوار الحديث عن الكعك، هذا وطن وليس تورتة تقسم، انتهى زمن الهبات بالمؤسسات الوطنية للأقارب، وزمن توزيع اليمن في صورة هدايا ورشاوى لهذا الطرف أو ذاك؛ فالجميع أبناء الوطن وليسوا ميراثاً لأحد لا بالمناطقية ولا بالسلالية، وكلنا معصومي الدم، مصانو العرض، محفوظو الأموال، ومن ثم فالحوار يهم الجميع، والفرصة أمامنا مواتية لإخراج بلادنا من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه الاستبداد الديني والاستبداد السياسي والاستبداد الاجتماعي، وهو ما جعل اليمن طوائف وشيعاً، يقرب بعضاً ويهمش بعضاً، وهكذا يجب أن ينظر الحوار على أنه سفينة نجاة، وأنه جسر العبور لليمن الجديد.
الحوار هذه المرة ليس زيفاً، فلم يعد الرئيس الزعيم مرجعيته يعبث به كيف ما شاء، ويتنصل من استحقاقاته كيفما يريد، وإن كان هناك طرف سياسي يحاول ممارسة هذه اللعبة التي لم تعد مجدية في ظل استحقاقات المبادرة وآليتها التنفيذية، وفي ظل وقوف العالم كله إلى جانب اليمن، وتأكيد العالم مراراً بأنه سيعاقب كل من يحاول عرقلة التسوية، ومنها عرقلة الحوار الوطني.
إن الحوار هذه المرة حوار حقيقي؛ لأنه حوار ليس فيه الزعيم الوهم، وبالتالي يجب أن نسمع من بعضنا بعضا، يكفينا الصمم السياسي والاجتماعي الذي عاشته البلاد على مدىً طويل من حياتنا السياسية والاجتماعية في ظل الاستبداد المظلم، والصمم الاجتماعي لا يقل خطراً عن الصمم السياسي، يضاف إلى ذلك إن الحوار هذه المرة معني بأن يسجل كل ملاحظة من الجميع، من كل يمني في الداخل والخارج.
زارني أحد شباب الجامعة من كلية الآداب سنة ثانية دراسات إسلامية لا ينتمي لحزب سياسي، وبرغم أنه في مقتبل الشباب فهو يقدم رؤية كبيرة لليمن أقدمها بأمانة، فهو يرى أن يتم طباعة خمسة وعشرين مليون ورقة مكتوب فيها الاسم ورقم التلفون والإيميل، ويطلب منه أن يقدم رأيه في الحل، وأيضا يكتب قضيته أو مظلمته ومعها صورة الوثائق لتلك المظلمة، ويتم إيجاد نقاط استقبال لهذه الأوراق في كل حي وحارة وقرية ومنطقة وجزيرة، وتقوم بتلخيص هذه المطالب والرؤى بكل أمانة، قيمة هذا الرأي تتجاوز الأفكار المهمة التي قدمها إلى إدماج الشباب في الوطن وهذا مكسب لليمن أن يفكر شاب يمني صغير السن، يتجاوز سنه، فعقله أكبر من سنه.
وأضاف أيضا أنه يتمنى من الرئيس هادي أن يكون له لجنة خبراء من كل التخصصات ومعها لجنة أخرى من العلماء من كل الأطياف ليكونوا مستشاري الرئيس ليكونوا غرفة الرئاسة التي يقودها الرئيس فهو ربان السفينة والعلماء والخبراء الجناحان الذان يطير بهما الوطن إلى الأمام، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع رأي هذا الشاب الذكي والصادق، فإن مكسب اليمن في إدماج الشباب في الحراك السياسي اليمني، بمعنى أن الشباب يفكرون في الوطن ولديهم رؤية واضحة في أذهانهم عن المستقبل، وهذا في حد ذاته مكسب كبير جداً.
لقد قدمت الثورة أكبر نموذج حضاري في تعايش الآراء لخدمة الوطن، وأحسن مخرج في توسع مساحات القاسم المشترك بين أبناء الشعب اليمني لبناء اليمن، وكانت الآراء متساوية مثل الأصوات الانتخابية لا يفضل صوت على صوت.
ومن خلال تطبيق هذه المساواة تجذرت روح المشاركة الحقيقية فتكونت الائتلافات والاتحادات والتكتلات، وغابت عقلية الإقصاء وتوارت ذهنية الخوف من الجهر بالرأي، لقد كانت الساحة اليمنية بطول اليمن وعرضه ميدانا حقيقيا للحوار بين مكونات الثورة اليمنية العظيمة، كل من دخل الساحة كان له أن يكون نفسه في مكون يراه، لم يكن أحد وصياً على أحد.
ومن خلال التنوع الكبير الذي مثلته الائتلافات والاتحادات والتكتلات تبلورت رؤية ليمن حضاري، ومجتمع مدني، وتأكدت قيمة الحوار باعتبارها قيمة الوجود الأولى مع هذا الكائن الإنساني وجوداً وتكليفا، وجوداً في الحوار الذي جرى بين الله تعالى لملائكته: "إني جاعل في الأرض خليفة" وتكليفاً في الحوار الذي ذكره الله عز وجل في قضية تحمل الأمانة: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً"
د. محمد عبدالله الحاوري
الكل مخاطب بالحوار ومعني به 2185