يا الله لم يُعجز الصبر سوى اليمنيين, ينغرسون في أعماق الألم فينبتون كشجر السنديان, ويصعدون نحو عنان السماء بكبرياء نفس واعتزاز بذاتية الحياة المبنية من ذاتهم الإنسانية البسيطة.
بحجم الوطن في قلوبهم هو حجم الألم والمعاناة, وكلما راهن من حولهم أنهم في نهاية مخاض الموت كان ميلادهم أسطورة حياة، يستقبلون شعاع الحرية، تاركين وراءهم قزمية الإرتهانات, ومهما رافق حياتهم ضبابية المسار,لاح ضوء الحقيقة نافضاً ورافضاً عتمة الواقع المفروض عليهم, ولما تسربت فقاعات الغثاء في كيانهم كان سيل الإصرار عارماً وجارفاً, إنهم استثنائيين.
من الملكية المأبجدة بقطران الجهل إلى الملكية المبوبة بدونية الإنسان, اليمنيون منزلة بين المنزلتين,يحاولون تلمس الضوء المخبوء في الليل الذي لف حياتهم طويلاً ليبزغ فجر الحرية.
تداولت عليهم مراحل لم تزدهم إلا بأساً في نفوسهم وإن كانت التضحيات جسام, ولم يخبو الأمل مطلقاً حين تلبسهم الفقر والجهل والمرض, ولم يعطهم الوقت وقتاً للوقوف, وقعوا بين ثالوث الهدم والإنجراف, القبيلة ـ التسلط الديني ـ المصلحة الحزبية, لكنهم كطائر الفينيق أسطورة البقاء المتخيل,أخذت من كيانهم المساحات وضرب معول الهدم جدارهم الداخلي, غير أن الوجع زادهم قوةً وتحملاً وصبرا.يلملمون بقايا الضوء, ويولدون من انفجار الصمت, ليصنعوا حقائق التاريخ والمرحلة بقدر تاريخهم وامتداد إنسانيتهم.
متأهبون للفجر القادم البازغ من رحم معاناتهم,سينجلي ليلهم الكئيب ويطوي أعطافه وفي طياته عذاباتهم الكبيرة الطويلة, ومن خطاهم سيولدون أجيال الضوء, أما ما حولهم من بقايا السواد سيُجلى ويتوارى.
اليمنيون مدهشون إذ تعلو بساطتهم جوامع حياتهم ومن بساطتهم كينونتهم الدافعة للبقاء ولو على مشارف المجهول.
× مع الاعتذار للقاص محمد عبد الولي
علي سليمان الدبعي
اليمنيون يشيبون عند الفجر. 1601