حل ضيقاً عزيزاً كريماً علينا بعد غيابه عنا وفراقه لنا مدة عام كامل عاد رمضان (ثانية) ليزودنا بالتقوى والإيمان واليقين. عاد ليذكرنا بأنه شهر القران والتراويح شهر العبادة والتسبيح والاستغفار والصبر والدعاء والتوبة والطهر والنقاء. عاد ليذكرنا بأنه شهر كريم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وينادي فيه مناد يا باغي الخير ابشر ويا باغي الشر اقصر. عاد رمضان بعد عام حافل بثورات الربيع العربي حققت الشعوب الثائرة انتصارات متتالية ضد أنظمتها الاستبدادية فأودت بها إلى الهاوية. انه وفي مثل هذه الأيام من رمضان المنصرم كانت الشعوب بأكملها لا زالت تخوض معارك في مختلف الميادين والأصعدة.فالثورتان التونسية والمصرية كانتا قد خلعتا الرئيسين (بن علي ومبارك) إلا إنهما ظلتا في حالة استنفار قصوى وحرب حقيقية مع بقايا النظامين الفاسدين حيث كان البقايا حريصين على عودة النظام القديم إلى الحكم من جديد عن طريق الانتخابات البرلمانية والرئاسية لكن الثوار الاحرار تنبهوا لذلك الخطر فضيقوا عليهما الخناق حيث كانت سرعة الثوار أشبه بلمعان البرق فَعَجَز (البقايا) عن اللحاق وخسروا الفوز في السباق وأصبح وضعهم كالمجانين في الأسواق بسبب تجردهم عن مكارم الأخلاق فخاض الثوار انتخابات برلمانية ورئاسية انتهت بفوز الأحزاب الثائرة المختلفة إسلامية وليبرالية وعلى رأسها حزب النهضة التونسي برئاسة رجل السياسة والأدب والثقافة الشيخ(راشد الغنوشي) وأيضاً حزب الحرية والعدالة برئاسة مفكر الأمة وسياسي العصر ومهندس العقول وباني الاقتصاد رئيس جمهورية مصر العربية الحالي الدكتور(محمد مرسي )الذي خاطب شعبه خطاب الأب لأبنائه وبما يرضي ربه. أما عن ثورتي اليمن وليبيا فقد عاد رمضان بعد أن تحقق لكليهما كثير من الأهداف والانتصارات بعد كَرّ وفر بين البقايا والمرتزقة من جهة وبين الساحات من جهة أخرى، فرمضان الماضي شهد مواجهات ومعارك بين الحق والباطل أشبه باليرموك والقادسية وعين جالوت انتهت بفرار القذافي من باب العزيزية تاركا ورائه قصور الملك والرئاسة فلاحقه الثوار وطاردوه من مخبئ إلى مخبئ ومن دار إلى دار بعد أن لاذ بالفرار وانتهى الأمر بالقبض عليه وقُتِلَ أشر قتله وكان ذلك انتصارا لشهداء الثورة ولمن سقط من الشعب الليبي المغوار.غير انه وقبل شهرين من حلول هذا الشهر الكريم قطف الشعب الليبي ثمرة جديدة من ثمار الثورة بإجراء أول انتخابات حرة ونزيهة (للمؤتمر الوطني) لم يسبق لهم خوض انتخابات مثلها عبر تاريخ حكم القذافي الطويل لليبيا، أما ثوار اليمن الأحرار فقد دافعوا عن كرامة الشعب اليمني المغوار وانتزعوا حقوقهم من أيدي العائلة الحاكمة ومن بين مخالبهم، كما واجهوا وحدات وألوية الحرس العائلي المسمى (بالجمهوري) والأمن المركزي والقومي والقوات الخاصة التابع كل ذلك للرئيس السابق وعائلته فقط وليس للشعب.
والشيء المهم أن (صالح) سقط وسقط نظامه عبر ثورة أجبرته على نقل سلطاته بواسطة المبادرة الخليجية والياتها التنفيذية المزمنة التي نسأل من الله خيرها للشعب اليمني وان يجنبه شرها وشر معرقلي تنفيذها.فالظاهر من خلال الفتن والقلاقل التي تظهر بين آونة وأخرى وكذلك تصريحات الرئيس السابق وأفراد عائلته والمقربين منه التي توحي بعرقلة المبادرة الخليجية والوقوف حجرة عثرة أمام حكومة الوفاق والرئيس الجديد (هادي) هذا فضلاً عن النشاط المتنامي لما يسمى بأنصار الشريعة والحراك المسلح المدعومين منه ومن عائلته وكذا التنسيق المستمر بينه وبين التمرد الحوثي المسلح وإمداده بالمال والسلاح ناهيك عن النشاط الإيراني المتزايد الذي يمد هذه الحركات المسلحة التي تهدد وحدة الشعب اليمني وأمنه واستقراره.وقد لاحظ سياسيون ومفكرون ومثقفون وجود تنسيق مُحكم ودقيق بين حركات التمرد والقاعدة وبين النظام العائلي السابق بقصد الانتقام من الشعب الثائر ضده وما تجدر الإشارة إليه انه قد استقر لدى اليمنيـين وغيرهم من المعنين بالإشراف على تنفيذ المبادرة الخليجية انه لن تستقر البلاد وتهدأ الأوضاع إلا بمغادرة (صالح) للبلاد والعيش خارجها وأيضاً هيكلة الجيش والأمن وتخلي أبنائه وأقاربه عن المناصب العسكرية والأمنية كي تتهيء الأجواء الآمنة للحوار الوطني وتتحقق العدالة الانتقالية.وعلى كل فرمضان كريم وباب التوبة مفتوح حتى الغرغرة ولعل بقايا الفاسدين يتوبون إلى الله فباب السماء مفتوح والشعب لم يعد يتحمل أكثر مما هو عليه غير انه سيواصل مشواره في التصعيد السلمي حتى تـتـحقق جميع أهدافه ولكل ظالم نهاية، أما الشعب السوري المجاهد فمن رمضان الماضي إلى رمضان الحالي يسطر أروع الملاحم البطولية التي لم تتوقف يوما واحدا بسبب إصرار الطاغية بشار الأسد ونظامه النصيري الطائفي الفاسد على استمرار الحرب المعلنة ضد الشعب العربي السوري وعلى الرغم من الهزائم المتكررة التي مُنِيَ بها جيش نظامه غير انه لم يتعض ولم يرعوي رغم الانشقاقات المتواصلة في الجيش والأمن والوزارات والانضمامات المتوالية إلى الجيش السوري الحر الذي استطاع السيطرة الكاملة على المنافذ الحدودية الشرقية والشمالية وعلى مدن أخرى وخروجها عن سيطرة نظام الأسد الذي يقاتل بدعم إيراني وبفيتو (روسي وصيني) معرقل للقرارات الدولية ضد النظام السوري وهو ما جعل الشعب السوري يلجأ إلى الحسم الميداني على أرض الواقع دون انتظار للقرارات الدولية المخيبة للآمال. فهاهو الأسد يفر من دمشق العاصمة إلى اللاذقية كما فعل القذافي قبله في رمضان من العام الماضي، حيث فر هارباً من العاصمة طرابلس إلى مدينة (سرت) وقد جاء هروب الأسد بعد التفجير المروع لمبنى الأمن القومي الذي قُتِل فيه كبار قادة الدولة وذلك ما يشكل مؤشراً خطيراً على سقوط وشيك للنظام السوري حيث وصل الثوار إلى درجة عالية من الخبرة والتكتيك الذي مكّنهم من تفجير مبنى الأمن القومي، أي أنهم صاروا أكثر قدرة على التحرك في داخل العاصمة دمشق كما أن سقوط العدد الكبير في مبنى الأمن القومي بين قتيل وجريح يشكل تحولا كبيرا في مسار الثورة ويجعل المنظومة الأمنية المتبقية غير قادرة على ضمان امن مسئوليتها أو الحفاظ على نفسها ناهيك أن ذلك يُعد مؤشرا على أن الثوار السوريـين أصبحوا يعيشون المرحلة النهائية لسقوط نظام الأسد الذي أصبح يتآكل من الداخل. فانفجار الأمن القومي ما كان ليحصل لولا وجود الخرق الكبير فيه والذي كان يجتمع فيه أركان الدولة وقادة الحرب وقتلة الثوار ومن بين القتلة وزير الدفاع ووزير الداخلية وآصف شوكت رئيس المخابرات المركزية صهير بشار الأسد وغيرهم وصدق الله القائل(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) فأيام رمضان الباقية ستكون بإذن الله منهية للأسد ونظامه ولن تكون نهايته كالقذافي فحسب بل ستكون بإذن الله أشد وأنكل قال تعالى(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
أحمد محمد نعمان
فراق رمضان 2313