إبان فترة حكم مبارك، وتشديده القيود على قطاع غزة، ما زاد من حّمى الحصار عليه، لم يطلق فلسطيني رصاصة على جندي مصري، وكانت حسابات البيدر الفلسطيني دوماً تقضي بضرورة العلاقة الوثيقة مع مصر بسبب الترابط العضوي بين البلدين دينياً، وتاريخياً، وجغرافياً، وجيوسياسياً. ولم، ولن تكون ثمة مصلحة فلسطينية في تأزيم الوضع مع مصر، بصرف النظر عمن يحكمها، للأسباب الموضوعية التي ذكرتها.
إذنْ، لا بد من توجيه العقل نحو تفسيرات أخرى لعملية رفح في سيناء، وإن ظل الغموض يكتنف ذلك. إلا أن المنطق له تدخُّله في مثل هذه الظروف الحساسة لمحاولة معرفة من المستفيد من وراء هذه العملية. فالفسطاط الفلسطيني هو الخاسر في كل الحالات، سواء كان يقف وراء العملية، أو لا ناقة له في ذلك، فرغم إدانة الفلسطينيين للعملية، وأداء صلاة التراويح إضافة إلى صلاة الغائب، قرب سفارة مصر المغلقة في غزة، على أرواح جنود مصر الذين قضوا في العملية، إلا أن فئة مصرية بغت على الفئات الأخرى، وأطلقت التهم جزافاً صوب الفلسطينيين، الأمر الذي نجم عنه قيام بعض المصريين المنفعلين بتمزيق العلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية في بعض شوارع مصر، وهما اللذان كثيراً ما رفرفا في السابق حين كان يتظاهر المصريون تضامناً مع الفلسطينيين في كفاحهم ضد الاحتلال الإسرائيلي.
إن ربط أمور ببعضها يحدد ملامح ما حصل. فقد وعد الرئيس المصري محمد مرسي بتقديم تسهيلات للفلسطينيين، وفتح معبر رفح أمام الغزيّين لا الغازين، وكأن ذلك من باب تقديم الاعتذار عن سوء المعاملة التي طالما تلقاها الكثير من الفلسطينيين من قبل أجهزة الأمن المصرية خلال دخولهم إلى أو خروجهم من مصر. وهذا الأمر يرفضه بشدة التيار المحسوب على نظام مبارك. يضاف إلى ذلك إفراج مرسي عن قيادات إسلامية من السجون، وهذا ما أثار حنق بعض المصريين إضافة إلى غضب إسرائيل.هذه أمور تكفي وحدها لمحاولة معرفة من المستفيد من مثل هذه العملية.
من الحميد أن يتذكر المرء أن اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل هي التي جعلت من سيناء مرتعاً لحركات متطرفة وإرهابية نظراً لضعف الوجود الأمني المصري في شبه الجزيرة بناء على ما نصت عليه كامب ديفيد.
نقطة أخرى من الجدير التوقف عندها، وهي إن كان فعلاً هناك عناصر فلسطينية ضالعة في العملية. فإن ثبت ذلك، فهذا لا يعني البتة أن العملية بتنظيم وتنفيذ فلسطيني، وإن وجود فلسطيني أو اثنين لا يجوز أخذه على أن فلسطين كلها من تقف وراء العملية خصوصاً بعد أن علا صوت فلسطين والفلسطينيين لاستنكار ما حدث.
أحد الضالعين في أحداث 11 سيبتمبر 2001 في نيويورك هو محمد عطا المصري الجنسية، لكن لم يقل أحد حينها إن المصريين من قاموا بالعملية، ولم تمنع الولايات المتحدة دخول المصريين إلى أراضيها، تماماً مثلما لم تمنع السعوديين أو اليمنيين أو اللبنانيين من دخول أراضيها أيضاً. كأن واشنطن طبقت أكثر من المسلمين الآية الكريمة: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
إن وجود فلسطيني في خلية في سيناء لا يعني عقاباً وشتماً لفلسطين، لأن هذه الخلية فيها أيضاً مصريون، وجنسيات أخرى، وتعمل في أراضٍ مصرية. ولعل هذه الخلايا تعمل بما يصب في مصلحة أطراف مختلفة منها طرف مصري له تصفية حسابات مع الإخوان المسلمين، ومنها طرف إسرائيلي، ومنها طرف إيراني، لكن، وبكل أسف تحمل الفلسطيني، وزر هذه الصراعات وتصفية الحسابات.
إن الفلسطيني اليوم ليس في وارد البحث عن ناقة تشعل حرب البسوس.
العربية نت
محمد أبو عبيد
عملية سيناء وبراءة فلسطين 2142