بدا واضحاً أن تنظيم القاعدة الإرهابي الذي ينشط في اليمن قد غير من إستراتيجيته بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها في جعار وزنجبار أبين وعزان شبوة وحوطة لحج والضالع وعدن وحضرموت والجوف ومأرب، حيث لجأ هذا التنظيم إلى العمليات الانتحارية والتفجيرات بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، مستهدفاً بدرجة أساسية رجال الأمن والشرطة والاستخبارات وقادة القوات المسلحة وكانت اشد هذه العمليات عنفاً ودموية التفجير الانتحاري الذي طال كتيبة من جنود الأمن المركزي في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء أثناء مشاركة أفراد هذه الكتيبة في بروفة العرض العسكري عشية الاحتفال بالعيد الوطني الـ 22 للجمهورية اليمنية في مايو الماضي وكذا التفخيخ الإجرامي الذي باغت مجموعة من طلبة كلية الشرطة أثناء خروجهم لقضاء إجازتهم الأسبوعية.. فضلاً عن حوادث أخرى مشابهة نفذت بنفس هذا الأسلوب ضد قادة أمنيين وعسكريين في مناطق يمنية مختلفة، ومع إن مثل هذا التحول الإرهابي كان متوقعاً بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها تنظيم القاعدة في الشهرين الماضيين فان الذي كشف في ذات الوقت عن أن الجيل الجديد من عناصر القاعدة لم يعد يلتزم بنهج من سبقوه في هذا التنظيم الذين كان تركيزهم ينصب على استهداف الأجانب سياحاً كانوا أو دبلوماسيين أو خبراء أو عاملين في الشركات النفطية والتجارية باعتبار هؤلاء الأجانب حسب تصنيف قادة القاعدة من الرعيل الأول إما دعاة للنصرانية أو دعاة للإباحية ونشر الفجور وإما جواسيس على المسلمين.
وعلى العكس من هذه الإيديولوجية نجد أن جيلاً جديداً من المتطرفين المتشددين قد نشأ على روحية تكفيرية موغلة في الجهالة والعنف لا تميز بين مسلم ومعاهد وبين مؤمن بالله وكافر، فالكل أعداء يستحقون القتل والحرق والإبادة طالما كانوا في الجبهة المناوئة لفكر القاعدة ومشروعها لإقامة دولة (الخلافة) ولا ندري أي (خلافة) هذه التي يمكن أن تقوم على صيغة جاهلية في الفهم والسلوك والأهداف تتصادم كلياً مع الإسلام السمح الذي عرفنا منه أن من قتل نفساً فإنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً وأي (خلافة) أو دين أو ملة تجيز هذا الجنوح الأهوج الذي تنساق إليه تلك الفئات الضالة التي أعلنت الجهاد على المسلمين في أرض الحكمة والإيمان لتسفك دماء المئات من الأبرياء وكأن هذه الشرذمة الباغية لم يكفها ما تسببت به من المآسي والآلام والفوضى المنتشرة اليوم من قندهار إلى الصومال ومن العراق إلى اليمن ومنه إلى ساحات كثيرة من ديار الإسلام.
لقد تمكنت القوات اليمنية في الآونة الأخيرة وبالتعاون مع المواطنين من دك أوكار القاعدة وحلفائها من أنصار الشريعة وتحجيم تواجدها في المناطق التي كانت قد سيطرت عليها منذ أكثر من عام في محافظتي أبين وشبوة .. ومع ذلك فان هذا الانجاز سيبقى ناقصاً أو منقوصاً ما لم تعمل الأجهزة الأمنية وفق خطة مدروسة على ملاحقة وتعقب العناصر الإرهابية التي فرت من تلك المناطق إلى مناطق أخرى وإحكام السيطرة عليها وشل حركتها وإرغامها على الاستسلام لسلطة القانون والعدالة.
وهذه المهمة وإن بدت أكثر صعوبة من تحرير جعار وزنجبار وعزان من قبضة جلاوزة التشدد والتطرف فإنها تشكل عصب المعركة مع تنظيم القاعدة الذي أثبتت كل الوقائع انه وحين ننصرف عنه ولو للحظة واحدة فإننا بذلك نقدم له وسائل وأدوات التمكين والتجذر والتمدد واستغلال الظروف الاقتصادية وعوامل الفقر والبطالة التي تطحن قطاعاً واسعاً من اليمنيين لاستقطاب العشرات من الشباب العاطلين عن العمل وجذبهم إلى صفوفه والقيام بغسل أدمغتهم بالأفكار الظلامية والضلالية وتحويلهم إلى أجساد مفخخة تنتحر على قارعة الطريق لا هدف لها سوى قتل المزيد من الأبرياء وزعزعة الأمن والاستقرار وإقلاق السكينة العامة وإشاعة الخوف في وطنها ومجتمعها. والحال انه ومهما كانت تكاليف المعركة الحالية التي يخوضها اليمن ضد الإرهاب باهظة، فإن من مصلحته أن تكتمل هذه المعركة حتى مراحلها الأخيرة باجتثاث آفة الإرهاب من جذورها وتخليص البلاد والعباد من شرورها وأفعالها الإجرامية إلا انه ولكي يتمكن اليمن من خوض هذا التحدي فلا بد وان يحظى بدعم ومساندة أشقائه في مجلس التعاون الخليجي الذين ولاشك إنهم يدركون جيداً أن الخطر المتنامي لتنظيم القاعدة لا يتهدد اليمن وحسب وإنما جميع دول المنطقة سواءً بسواءً مما يحتم عليهم الوقوف إلى جانب اليمن والعمل معه سوياً من اجل القضاء على ذلك السرطان وتجفيف منابعه واستئصال منابته وتطهير المنطقة كلياً من فكر التطرف والغلو والتشدد والإرهاب.
نقلاً عن صحيفة الرياض
علي ناجي الرعوي
القاعدة في اليمن.. الحقيقة والأهداف 2444