الحياة رحلة على طريق طويل فيه الكثير من التعب والعناء والمشقة وفي وسط ذلك الطريق نهر عذب، تحفه أزهار وأشجار من كل جوانبه، حين تصل إليه ترجل عن راحلتك وارمي حمولك على شاطئه واسترح واشرب شربة هنيئة من مائه العذب وأرح جسدك المتعب من طول الرحلة تحت ظل أشجاره الوارفة، خذ منه بقدر استطاعتك حتى تشعر أنك أقوى وأقدر على مواصلة السير بروحٍ نقية ونفسٍِ صافية .
هذا هو رمضان، أجمل الشهور وأروعها وأعذبها، هدية الرحمن لقلوب تشتاق إليه وتحبه وتنتظر لقائه بلهفه مؤمن يعلم علم اليقين أن سعادته تكمن في رضاء ربه، هدية الرحمن لمن يحبهم ويحبونه يقضون نهارهم صياماً عن كل سوء وفاحشة وذنب ويحيون ليلهم سجداً ركعاً، يتلون كتابه الحكيم، مستمتعين بقربه متلذذين بنفحات رحمته المنزلة في شهرِ كله رحمه ومغفرة .
    أيام معدودات نتخلص فيها من أطماع النفوس وأدران القلوب ونرتاح من الجري خلف دنياً رخيصة، لن نأخذ منها إلا ما قد كتب لنا فوق سبع سنوات.
أيامٌ تمر مرور الكرام لا نكاد نشعر بها حتى نراها قد مرت مسرعة وكثير منا عنها غافلون في مشاغل الحياة التي لا تنتهي أو ساهون في ملذات زائلة، مع أن رمضان كان شهر الانتصارات والأحداث العظيمة أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الصحابة رضوان الله عليهم وأما في زماننا، فقد حوله الكثير إلى شهر للنوم والكسل والأكل والشرب المفرط فيه ويذهب رمضان ويرجع ونحن كما نحن لا نتغير ولا نتعلم ولا ندرك قيمة هذا الشهر المبارك والحكمة من صيامه، حتى إذا ما انقضت أيامه تحسرنا وندمنا على ما فرطنا فيه في حق أنفسنا.
ونحن الضعفاء نحتاج للكثير من هذه الرحمات التي يمن بها علينا ربٌ كريم ليطهرنا ويقوينا ويعلمنا أن الحياة بكل ما فيها فانية، وإنا إليه عائدون في رحلةٍ قد تكون طويلة، فكيف لا نستعد لها بما يليق ونستقي من هذا الشهر الفضيل نوراً يضيء ظلام قلوبنا ويروي ظمأ أرواحٍ مشتاقة لخالقها .
 فيا أيها الأحبة لا تدعو أيامه تنقضي وتمر من بين أيديكم دون أن تستغلوا كل ثانية فيها فيما يقربكم من ربكم الكريم ويمنحكم من قوة الإيمان، ما يهون عليكم مسيرة الحياة المتعبة وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.. أحبك يا رمضان يا أجمل الشهور.