رمضان ثورة للتغيير ولإصلاح النفس وبناء المجتمع على أساس متين، مدرسة متكاملة ودورة إيمانية مكثفة تشتمل على عبادات كثيرة ترتقي بالنفس إلى مدارج الكمال الإنساني والإيماني، صيام وصلاة وصدقة ودعاء واستقرار وأذكار وقراءة للقرآن.. والعبرة في الصيام وفي سائر العبادات اعتبار المقاصد والمعاني لا المظاهر والأشكال فإن الله غني عن أن يعذب أحدنا نفسه فيستشعر المسلم الصوم والدور الأخلاقي للعبادات.
ومن معاني الصيام تحقيق العبودية لله وتزكية النفس وإصلاح الفرد وبناء المجتمع ومقاومتها هواء النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان والعادات السيئة والشهوات المحرمات ولذلك ختم تعالى أية الصوم بقوله (لعلكم تتقون) وفي البخاري (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
فالصوم مرتبط بالإيمان ويربي على التقوى وترك المحرمات والأخلاق السيئة كما يربي ملكة الصبر وقوة الإرادة والحلم وهي من عوامل النجاح وعلى المراقبة لله تعالى والتطلع للدار الآخرة، كل هذه المعاني السامية متوفرة في مائدة الصيام وهي أسلحة إيمانية مشروعة في كل حين وفي رمضان، خاصة حيث تفتح فيها أبواب الجنان وتوصد مردة الجن والشيطان وتغلق أبواب النيران.
فرمضان في الآية شهر القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ورمضان شهر صلاة القيام والتراويح (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه وقيام الليل دأب الصالحين وشعار المؤمنين الناجين، فكم من عين فيه لله رافعة وقلوب خاشعة ونفوس تائبة منكسرة منطرحة بين يدي الرب تعالى.. الصوم جنة كما في الصحيحين أي وقاية من غضب الله والنار ووقاية من أمراض القلب والروح والبدن يحفظ الصحة ويذيب العضلات ويزيل المواد الرديئة ويحسن وظيفة الهضم ويقوي الذاكرة ويفتح الذهن وفي الحكمة (البطنة تذهب الغطنة).
ورمضان شهر للإيجابية والبذل فقد كان (ص) أجود ما يكون في رمضان.. ولرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة) كما في مسلم عن ابن عباس والجود من أخلاق الإنسانية الصادقة والمروءة والرجولة وعند الطبراني والحاكم والبيهقي في سند صحيح (إن الله كريم يحب الكرماء وجواد يحب الجود ويجب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) ويشمل الجود بالمال والجاه والعلم والبدن وفي الجود بالعرض بمسامحة المسيئين راحة للقلب وسلامة للصدر (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، وفي مجالات الجود خدمة الصائمين وتفطيرهم والقائمين والذاكرين (من فطر صائماً فله مثل أجره) رواه أحمد بسند صحيح وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع الصائمين.
ورمضان شهر الدعاء وهو الرغبة إلى الله وإظهار الافتقار إليه وجميل أن يذكر الدعاء ضمن آيات الصيام (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني..) وعند الحاكم في مستدركه وصححه الألباني (أفضل العبارة الدعاء) ويتحين الصائم أوقات الإجابة الفاضلة كوقت السجود وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وآخر ساعة من الجمعة ووقت السحر في جوف الليل ودعاء المسافر والوالدين والصائم مستجابة كما في النصوص.
ورمضان شهر الفتوحات فلم يكن كما يفهمه كثير من الناس اليوم شهر للكسل والنوم والإسراف في القنوات والمأكولات ففي 17رمضان في السنة الثانية للهجرة كانت غزة بدر الكبرى وابتدأ الحفر للخندق في رمضان واستمر شهراً في السنة7هـ وكان الفتح الأعظم فتح مكة سنة 8هـ في عشرين رمضان، وافتتح السلف الصالح جزيرة (رودس) في رمضان 53هـ ووقعت معركة (عين جالوت) في يوم الجمعة 25رمضان658هـ، ووقعت معركة (شقحب) في رمضان702هـ.
فرمضان فرصة للتغيير والتوبة والرجوع إلى الله بالإقلاع عن الآثام وتدارك ما أمكن وقد شرع رسول الله الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان بغية زيادة التقرب إلى الله تعالى والتفرغ للعبادة والانقطاع عن الناس والتخفيف من الشواغل والاعتكاف هو المكث في المسجد بنية التقرب لله، ومن ثمراته الكريمة التربية على الإخلاص وتقوية الصلة بالله بالعبادة والتفكر ومراجعة النفس والاستغلال الأمثل للوقت وترك المعاصي وهو (الاعتكاف)، بغية موافاة (ليلة القدر) وقد كان النبي (ص) إذا دخلت العشر شد مئزرة وأحيا ليله وأيقظ أهله كما في الصحيحين لم لا؟ وليلة القدر خير من ألف شهر.
أخيراً فنغتنمها فرصة لتذكير العلماء والدعاه بواجبهم الشرعي لاستغلال رمضان في إصلاح النفس والمجتمع... تذكير الحكومة بتقديم الخدمات الأساسية في رمضان ونخص منها توفير الكهرباء والأمن وعدم غلاء الأسعار ودعوة عموم الناس للتوبة والتراحم والتعاون.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا والمسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
رئيس رابطة علماء إتحاد عدن.
الشيخ/ عمار بن ناشر
رمضان ثورة للتغيير 2139