يأتي رمضان ورب السماء لم يأذن لنا بالخلاص بعد من مشاكلنا التي لا تنتهي, وأيضاً يأتي ونحن لم نستخدم كل ما في أيدينا للخلاص من هذه المشاكل، كلنا نريد الخلاص، لكن لا نريد أن ندفع أي ثمن... المهم، بلا سياسة الآن، خلونا نتكلم برومانسية، فرمضان أتى بالرومانسية كلها إلينا، كيف لا ووزارة الكهرباء هي أكبر مصدر حديث للرومانسية ... وهذا اكتشاف لن أتنازل عن أن تسجل براءة اختراعه باسمي!
من يشاهد حكاية المواطن اليمني مع الكهرباء يموت ضحكاً، لا لشيء، ولكن من باب (شر البلية ما يضحك)، فالكهرباء التي لا نشاهد نورها إلا على فترات متقطعة، يتخلل كل فترة منها انطفاءات متكررة، أصبحت تمثل كل الهم الذي يؤرق المواطن اليمني، ولأن الحاجة أم الاختراع، ولأن من صفات اليمني أنه يحول (المحن) إلى (منح) – طبعاً مش دائما-، لذا فقد استفاد من مشكلة انطفاء الكهرباء وخاصة وقت تناول طعام الإفطار، وهي الفترة الحرجة في اليوم، وحول تلك المصيبة إلى شيء ممتع وجميل، فما أجمل أن يتزين العشاء بمجموعة من (الشموع) تنور جنبات المائدة، ما أجملها من رومانسية، رومانسية لا يضاهيها الرومانسية المصطنعة في المطاعم الفاخرة التي تدفع فيها مئات الدولارات لقاء عشاء على أضواء الشموع لليلة واحدة، بينما نحن نتناول عشاءنا يومياً على أضواء الشموع... وببلاش، والله يخلي الحكومة!
إضافة إلى الرومانسية الجميلة، فإن من مزايا انطفاء الكهرباء أن يتناقش أفراد الأسرة في بعض الأمور، وأن يفتح الأب فمه بكلمة مع ولده بدل (التكشير) الذي يلازمه طوال اليوم والليلة، ويستفيد الأب والأبناء أيضاً من الأم في السؤال عن مواد تحضير إحدى الأكلات، فهم بحاجة في ظل انطفاء الكهرباء إلى من يشغل فترة الصمت تلك، وبالبلدي هم بحاجة إلى من (يغاويهم)، والنساء خير من يقوم بذلك، وإضافة إلى هذا فإننا نركز على الطعام، هل هناك شيء زاد فيه الملح أو نقص، وغيرها من الملاحظات، المهم هل كنا سنركز على هذه الأشياء إذا لم تنطفئ الكهرباء، بالتأكيد لا .. فإن الأنظار كلها ستتجه إلى التلفاز لمتابعة (شوتر وزنبقة) وغيرها من المسلسلات، شوفوا .. في كل شيء نواحي إيجابية إذا نظرنا إليه من الجانب الآخر!
يا ناس..يا عالم، عيشوا برومانسية واطمئنوا ومددوا أرجلكم و(وسحوا)، فهناك حكومة جديرة بالاحترام، تسهر وتعاني وتقاسي من أجل أن تعيشوا أنتم برومانسية تحسدكم عليها شعوب الأرض، تخيلوا في ظل هذه الرومانسية اللا متناهية، كم سيظهر (مهند) في أوساط الرجال، وكم من (نور) بين النساء، تخيلوا الدراما اليمنية تقضي على الدراما التركية وتتبوأ مكانتها، وتصبح نساء تركيا مولعات بالرجل اليمني، وتكثر نسبة الطلاق هناك جراء مشاهدة المسلسلات اليمنية الرومانسية المدبلجة، يعني "نسقضي" بدل حقنا، لكل شيء مظلم جانب مضيء، لذا فشاهدوا حكومتنا من الجانب المضيء .... حتى لو الكهرباء طافية واصل.. وتصبحوا على غُدرة !
طارق فؤاد البنا
الغدُرة الرومانسية جداً ! 2141