تدور هذه الأيام معارك طاحنة وحرب شرسة براً وجواً في مختلف المدن والمحافظات السورية دمرت وتدمر كل جميل وتقضي على الأخضر واليابس مزارع وحدائق بيوت ومدارس مساجد وكنائس ومعابد. ويسقط يومياً المئات بين قتيل وجريح وينزح ويتشرد الآلاف من الأسر إلى دول الجوار تركيا والأردن ولبنان والعراق.ولكل هذا وذاك تذرف له الدموع وتُدمى له القلوب وتتألم الضمائر وتتكدر الأمزجة والخواطر وترتفع أصوات الأطفال والنساء والصغار والكبار والعجائز طالبين النجدة والاستغاثة من الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ولكن لا حياة لمن تنادي. فالدول العربية ما تزال فيها بقايا أنظمة مخلوعة دورها التنديد والاحتجاجات على استحياء ويعقد مجلس الأمن الدولي ثلاثة اجتماعات وتفشل بسبب فيتو (روسيا والصين). غير أن الآلات العسكرية لا ترحم أحداً ولا تفرق بين صغير وكبير وطفل أو امرأة.
إنها حرب مُجرمة أُشعِلَت نيرانُها ضد شعب مسالم اعزل لاذنب له ولا جرم عليه سوى انه يطلب الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام بشكل سلمي، فالأسد يعتقد أنه لا يجوز أن تقوم ضده ثورة من شعبه لان وضعه يختلف عن وضع الرؤساء المخلوعين في تونس ومصر وليبيا واليمن أي بن علي ومبارك والقذافي وصالح .ففي نظره انه وارث لنظام الحكم من بعد والده حافظ الأسد الذي حكم سوريا ثلاثين عاما بالحديد والنار حتى وافته المنية وكأن نظام الحكم قطعة ارض للزراعة أو البناء والميراث سبب من أسباب الملك فلا يجوز لا حد أن يسلبه إلا إذا تصرف به صاحبه برضاه .ولان معتقد الأسد فاسد وباطل فهو لم يفرق بين المال الجائز تملكه وبين نظام الحكم الذي لا يجوز تملكه بأي حال من الأحوال سواء عن طريق الميراث أو القوة، ما لم يكن النظام ملكي كالسعودية وبريطانيا واسبانيا أو أميري كالكويت فأبناء الملك أو الأمير يرثون الحكم كما يرثون المال وبحسب نظمهم الحاكمة ودساتيرهم الدائمة، أما الدكتاتور الأسد فنظام الحكم في بلده جمهوري وليس ملكياً أو أميرياً فهو رئيس للجمهورية العربية السورية والنظام الجمهوري يكون مالك السلطة فيه الشعب لا سواه، فهو مصدر السلطات وهو من يختار رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان والشعب هو أيضاً من بيده إسقاط الرئيس ونظامه، فبمجرد خروج الثوار السوريين إلى الشوارع والساحات وميادين الحرية في مختلف المدن مطالبين بإسقاط النظام فيكون لزاماً على من ثار الشعب ضده الاستجابة لهذا المطلب الشرعي، لكن وللأسف الشديد تبين أن الأسد أكثر غباء من الرؤساء العرب المخلوعين السالف بيانهم على الرغم من انه أصغرهم سناً فكان متوقعاً أن يكون أكثرهم استفادة من أحداث الثورات العربية ومن النهاية السيئة المخزية لغيره من الرؤساء، هذا فضلا عن عدم اتعاظه واعتباره بما حدث مع أن الحكمة تقول(السعيد من اتعظ بغيره)، بَيْدَ أن المعطيات تؤكد أن الأسد أكثر دموية وإجراماً وطغياناً من غيره، فعلى ماذا يراهن الآن وماذا تبقى بيده من السلطة بعد انشقاق الكثير من أركان نظامه عسكريين ودبلوماسيين وغيرهم وانضمامهم إلى صفوف الثورة والجيش الوطني الحر؟ ألا يعي الأسد انه كلما ازداد إجراماً في قتل شعبه بغية إخماد الثورة كلما ازدادت الانشقاقات في نظامه وازداد توسع الثورة وامتدادها لتشمل كل قرية ومدينة وجبل وسهل ووادي؟، فالشعب السوري قرر رحيله ورحيل نظامه ولا تراجع له عن هذا القرار مهما بلغت التكلفة وازداد الثمن والتضحيات فقد استوى عند الشعب الموت والحياة، بل أصبح الموت في سبيل الله ثم في سبيل الحرية اشرف لهم من الحياة تحت ربقة العبودية ولاشك أن تضحيات الشعب السوري العظيم المتواصلة أثمرت ثمارها حيث جعلت الأسد يفقد سيطرته على كثير من الأحياء والمدن بما في ذلك أجزاء مختلفة من العاصمة دمشق، حيث استولى الجيش الحر على عدد من أقسام الشرطة والمنشآت الحكومية وأصبح الثوار منشغلين بما بعد الأسد وبتشكيل حكومة انتقالية دعاهم اليها المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والخليج العربي، فالأسد اليوم لم يعد حاكما فعليا لسوريا بقدر ما هو قائد عصابة تخريبية، كما انه أصبح مختفياً في أماكن مجهولة خوفاً من القبض عليه ومحاكمته .والساعات المقبلة من الأيام القادمة ستكون الحاسمة بإذن الله تعالى وسيلقى الأسد أسوأ مصير محتوماً له فقد باتت نهايته وشيكة وكأننا الآن نرى مصرعه على أيدي الثوار وجثته مصلوبة في المرجاة أو الصالحية في دمشق والتاريخ لا يرحم المهزومين.
أحمد محمد نعمان
نِهَايَةُ الأسَدِ بَاتَتْ وَشِيْكَة 1992